نالت شعوب العالم وما زال البعض منها يناضل لأجل نيل حريته، لأن عكس الحرية هي العبودية، والعبودية هي أسوأ استغلال للبشرية، وتتعدد وتتنوع أشكالها وتأخذ أشكال مستحدثة في عصرنا الحديث، لكنها تُبقي على جوهرها بأنها عبودية بغيضة لا بد من التحرر منها.
والسماء تنادي برسالة الحرية للبشرية جمعاء، واقصى أنواع العبودية هي عبودية الذات، ووقودها الجهل والفقر والمرض. ومن يرزح تحتها يكون سليب الإرادة والتكفير والعمل، ينتظر من يُمَنْطِقُهُ كما في خريف العمر. وأما دورنا في الحياة فهو اعلاء شأن الحرية للبشر وللأفراد ونشرها كقيمة انسانية جمعاء، لأنها وحدها القادرة أن تطلق عنان الإبداع في شتى مناحي الحياة.
وحرية الأفراد ليس المقصود بها التمادي على خصوصيات الآخرين أو الخروج على القيم والمبادئ، وليست الحق أن نفعل ما يحلو لنا وما يسرنا حتى ولو أضر بالآخرين، " تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين"، وكما قال بيتر مارشال، ليست الحرية أن نفعل ما يحلو لنا ويبهجنا، بل الحرية هي الفرصة لفعل الصواب.
وقد تعلمنا من مبادئ الإيمان القويم ليس فقط العدول عن الشَّر، بل أيضاً عمل الخير. فلا حيادية بينهما، فالخير والشر نقيضان ولا يلتقيان كما أن النور والظلمة لا يلتقيان، فكذلك لا يمكن أن يكون الإنسان سَوِّياً ويفعل الخير والشر معاً، ف "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يفعل الصلاح".
فحريتنا هي الحرية المسؤولة التي ستقدم حساباً عن أفعالها، وحريتنا ليست خياراً لفعل الشر أبداً، بل لفعل الخير دائماً باختيارنا وقناعتنا الشخصية ومن كل القلب والفكر والنفس والقدرة.
هذه الحرية الداخلية للإنسان أساس في تحقيق كل أشكال الحريات الأخرى، فبتحرر النفس من عبوديتها تنطلق لتعمل على تحرر مجتمعاتها من عبوديات الفقر والجهل والاستعباد والتسلط والاستبداد.