بقلم العقيد م. الدكتور عامر العورتاني أخصائي علم اجتماع الجريمة
تمثل القيم جوهر الثقافة لأي مجتمع وتبرز أهميتها في بناء شخصية قوية ناضجة وملتزمة ، وتشكل درعاً يؤمّن الحماية للأفراد من الوقوع في الخطأ ، وتُنمي فيهم الإحساس والشعور بالمسؤولية وتساعد على كسب ثقة الناس ومحبتهم ، واكتساب الفرد القدرة على التأقلم مع الظروف برضى وقناعة ، فالقيم واحدة من أهم المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية ، وهي أهم مكوّن نفسي من مكوّنات ضمير الإنسان .
وهي تعمل على تحديد السلوك وتدعيم الاتجاهات وتعزيز المعايير في مختلف مواقف الفعل الإنساني ، وتعتبر أنّ أي انحراف عن تلك القيم يُعد انحرافاً عن ثقافة المجتمع وهي تُحدد أسس الحكم على سلوك الأفراد والجماعات وفقاً للقيم الاجتماعية والنفسية ،فالقيم تمثل حلقة الوصل بين الأنساق الثلاثة الكُبرى للفعل الإنساني ، وهي نسق الشخصية ، والنسق الاجتماعي ، والنسق الثقافي .
والقيم من الناحية الواقعية عبارة عن قوانين أخلاقية واجتماعية غير مكتوبة في المواد القانونية أو لوائح الأنظمة ، ولكنها تكون غالباً محفورة وراسخة في وجدان وضمير الإنسان ، وهي تُشعر الفرد بالسلام الداخلي والتوازن في الحياة الاجتماعية ، وتُبلور في داخله الإحساس بالمسؤولية ، وتخلق في نفسه قانوناً يراقب تحركاته ويضبط تصرفاته .
إنّ القيم محصّلة للعادات والأعراف والتقاليد التي تنطوي على معايير مرغوبة لسلوكيات وعلاقات أفرادها ، لذلك يمكن تعريفها بأنها دافعية مكتسبة بالتربية الأسرية أولاً وبالتعليم ثانياً ، ومن ثم بالتنشئة الاجتماعية ، حيث يُشكّل الإرث التاريخي للمجتمع أحد الروافد الأساسية لتشكيل نسق القيم الذي ينتقل عبر التنشئة الاجتماعية من جيل إلى آخر .
إنّ القيم تُفسر دوافع الإنسان وسلوكياته ، فهو صانع التاريخ ومؤسس الحضارات والباحث عن المجهول الذي طوّع الطبيعة القاسية باختراعاته ، وهو بالمقابل يُشعل الحروب ، ويُذكي الفتن ويؤجج الصراعات ، فالقيم هي الضابط والمعيار الأساسي للسلوك الفردي والاجتماعي ، ولا يمكن تحديد الأهداف التربوية لتكون معبّرة عن طبيعة الإنسان وطبيعة المجتمع إلاّ عن طريق القيم مما يجعل المسؤولية مشتركة في تعميق القيم وتنميتها عن طريق التخطيط والتنسيق بين كافة المؤسسات حتى تشكّل نمطاً عامّاً لسلوك أفراد المجتمع .