(إن لم تستطعْ القراءة؛ فلا تقطع نسيج اللَّهفة في لامبالاتِكَ)
عنكبوت اللَّهفة
وائل كوسا شاعر روائي سوريّ من مواليد ١٩٩١ من محافظة حلب الشهباء، مُقيم في هامبورغ، حاصلٌ على دبلومٍ في هندسةِ الاتصالات، مُترجم ومدقق لغة عربيّة، أصدر نتاجه الأدبيّ الأوّل "عنكبوت اللَّهفة" عن جائزة لوتس للرواية القصيرة ٢٠١٩ (نوفيلا) وحصلت على حقّ الطبع والمشاركة في معرض القاهرة للكتاب.
هي روايةٌ واقعية _لا تتجاوز ١٢٥ صفحة _ تحاكي الحياة المعاصرة الّتي يتلقاها كلّ طالب سوريّ في ظلّ الحرب، تُسلط الضوء على عدّة جوانب أهمها: تحطيم قدرات الطالب في بلد هدفها السلطة والمال، المظاهر المحيطة الّتي تؤثر على النفوس بهدف السّمعة والسّيط الحسن دون الفهم والإدراك، يحاول الكاتب في بعض جوانب الرواية إقناع الذات والتّحدث بطريقة مُبهمة عن جذب السعادة عبر برمجة أفكارك للتعايش مع الواقع السائد، ومن هنا أيضًا نرى فراسة وبراعة الكاتب في إبراز الشخصيات الواعية ذات الجهود الجبّارة الّتي تنصهر في بلدٍ يهتم بالمظاهر ولا يكترث للأعماق، ولا سيما أنّه يعرض مقارنة ببعض الأفكار الّتي تراود الشّاب بين المراهقة والنّضوج، وتلك العادات البالية الملعونة الّتي تقطع أوصال الأحبّة، وتلك الأقدار المؤلمة الّتي تواجهنا بغتةً؛ فيترأسها الموت الّذي يحتلّ المرتبة الأولى في حياتنا من ناحية القوّة، ولا حول لنا أمامه .
كما نعلم إنَّ عظمة الرواية تكمنُ في قلةِ شخصيتها وأعتقد أنَّ هذا العامل الرئيسي الأوّل الّذي جعلها تحظى بمرتبة عالية في جائزة لوتس للرواية القصيرة (نوفيلا) ٢٠١٩، كشخصية ثائر "بطل الرواية " هذا الشّاب الدِّمشقيّ الطموح القارئ المثقف البارع بالرياضيات، يضطّر إلى الولوج لعالمِ التمثيل الّذي لا علاقة له به؛ ليتحول بعد ذلك إلى الناقد العاشق الّذي لا مفر له إلّا عينيّ محبوبته سارة، ويشكلان ازدواجية رائعة تثيرُ الطلبة في قسمِ النّقد المسرحيّ.
ومن المثير للجمالية أنَّها رواية جريئة تُعرِّي الواقع المؤلم داخل الوطن وخارجه، يجسّد فيها الكاتب معاناة الشّباب السّوري في رحلةِ الغربة برًّا وبحرًا، والحالة النفسيّة المتدنية الّتي يمرُّ فيها المغترب للحصول على حياة أفضل، ويشير إلى حياة اللاجئ في أوروبا والصعوبات الّتي يتلّقاها داخل المخيمات، كما أنّه يعرض جانبًا رئيسيًّا من جوانب الحياة الزوجية في المجتمع الغربيّ المليء بالمغريات، كامتزاج الكاتب مع شخصية "سُلافة" هذه الشّخصيّة الأنانية الّتي كانت على أتمِّ الاستعداد أن تدفن الحُبّ مقابل الشهرة، وتغلّف بغلافِ الطموح في بلد الحريات، تُرى هل بعض النّساء في المجتمعات الغربيّة اتخذت هذا المسار؟! أم أنّها مجرد فضفضة أدبيّة لتكتمل بها الرواية؟ في كلا الحالتين هذا يحدث في حياتنا اليوم بلا أدنى شك.
نوّع الكاتب من حيثُ اللّغة، ففي بعض الأماكن اجتمعت بلاغتة بإفراط وبدا فيها نزفُ روحه على الحرف، وفي أماكن أخرى امتازت العبارات ببساطتها اللّغويّة الّتي خاطت ثوب الغربة المُموَّج بعروقِ الحنين، والمَمزُوج بأحجارِ اللازورد.
ومن ناحية الاسم فأجد أنَّ الكاتب قد وفِّقَ في اختياره لأن هناك الكثير مِنَّا اليوم يرتبط ارتباطًا شديدًا بهذه الشبكة العنكبوتيّة، ويتعايش مع لهفةِ الشّوق إمّا للأهل أو للأصدقاء أو للشريك.
إذن " عنكبوت اللَّهفة" لم تكن مجرد اسم عابر، واضح أنَّ الاختيار كان نابعًا عن دِقَّة الواقع المحيط ومشاعر مكبوتة قد أُفصِحَ عنها أثناء الكتابة بصخبٍ مريع.
حقيقةً هذه الرواية قد لامست روحي شخصيًّا، لما فيها من مشاعرٍ جليّة تسقطُ على القارئ؛ فتجعله يستحضر روح الشَّخصيّة ويجدُ نفسه تلقائيًّا يبكي معها، تارةً يغفر لها وأخرى يعاتبها، ومن هنا نستطيع أن نلمس تلك الاضطرابات الناتجة عن تخبّط الحالة النّفسيّة الّتي صادفت الكاتب في حياته؛ لتأخذ هذا البيان المنفتح عبر آفاقٍ متعددة، ولما فيها أيضًا من أسلوب سلس لا يستغرق من وقتك أكثر من ساعتين.
على الرغم من أنّها تخلو من الإهداء، لكنَّها روايةٌ مميّزةٌ بواقعِيتِها، ربّما ترك الكاتب الحريّة الفكريّة للقارئ؛ ليوسع مدارك فكره ويكتب الإهداء الّذي يحبّ لنفسه كهديةٍ رمزيّة بعد الانتهاء من القراءة.
وأنا بدوري سأقدم لنفسي ولكم هذا الإهداء المتواضع؛ لتنسجوا خيوط اللّهفة بين حنايا أجوافكم.
إهداء:
لكلِّ قارئٍ حُرٍّ مسلمٍ أو يهوديٍّ أو نصراني، لاجئٍ أو مغتربٍ، ارتدي وشاح الطمأنينة كي يُدثرك من نَوازلِ القدر.