في وسط الظهيرة وعلى الإشارات الضوئية لأحد أبرز شوارع عمّان ، يتنقلون بين المركبات ، أطفال لا يتعدى طول الواحد منهم نافذة السيارة ، ولا يكاد أصغرهم يصل إليها ، يقفزون هنا وهناك يطرقون زجاج النوافذ ويُمعِنون في الرجاء من أجل بعض النقود ، وما أن يضيء اللون الأخضر وتعلو أبواق المركبات حتى يقفزوا راكضين ليحتموا بالرصيف أو الجزيرة الوسطية ليتعلقوا بهذا وذاك لذات الغاية .
أطفال وفتيات صغيرات يجوبون الشوارع نهاراً وليلاً يتراكضون بين المركبات ، يدفعون بعضهم مازحين ، والخطر يتربص بهم بين عجلات المركبات المارّة أو غايات بعض من يقودونها ممن قد تسّول لهم أنفسهم استغلال هؤلاء الأطفال والفتيات على نحو سيء .
فإذا ما أخذتك قدماك لتسير على الرصيف فإنّ كل ما في جيبك لن يكفي أعداد النساء المنتشرات هناك وهنّ يمددن أيديهن استجداء للمال ، وسيل من الدعوات ينهال عليك وهي تصرّ على اللحاق بك ، ولن تتركك حتى تحصّل غايتها من تحصيل المال لتذهب وراء شخص آخر .
لن أخوض في حديث من هؤلاء ، وإذا ما كان الفقر والعوز فعلاً ما ألقى بهم إلى الشوارع على هذا النحو ، أو أنهم جزء من عمل منظّم يقوم على تشغيل النساء والأطفال والفتيات ليجمع حصيلة عملهم فيكدسه آلافاً أو ملايين في البنوك مقابل قوت يومهم .
فما يهمّ أنّ هذا الأمر يتمّ في وضح النهار وتحت جُنح الليل على الإشارات الضوئية لأبرز مناطق عمّان ازدحاماً بالنشاط التجاري ، وبالرغم من الدور الذي تقوم به وزارة التنمية الاجتماعية لمتابعة مشكلة التسوّل وعمالة الأطفال وملاحقتها ومحاولات القضاء عليها من خلال برامجها الخاصة ، إلا ّ أنّ المشكلة لا زالت موجودة ومرئية للعيان ، ما يستلزم تكثيف عمل فرق مختصة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة للوقوف على أسباب استمرار هذه المشكلة رغم الجهود المبذولة ، والعمل على معرفة الأشخاص الذين يديرون هكذا نشاط إن وجدوا واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم ، وإنّ عملية التقصي الدقيقة لجيوب الفقر على أرض الواقع ضمن دراسة تكفل الوصول إلى الفئات الأشدّ حاجة ممن اضطرتهم ظروفهم لتحصيل العيش بعد أن أُغلقت أمامهم كل الأبواب باتت أمراً مُلحّاً ، لا سيّما وأنّ العالم يعيش حالة وبائية تتطلب تباعداً مكانياً وأدوات سلامة شخصية ، فأين هؤلاء من هذه الإجراءات وهم يتعاملون مع أعداد كبيرة من المواطنين عن قُرب ، كما أنّ الأثر الاقتصادي الذي ستخلفه أزمة الوباء يعني أنّ هذه المشكلة ستأخذ في الامتداد إن لم يتم التصدي لها وفق إجراءات جذرية وشاملة تأخذ البعد الاجتماعي والأثر الاقتصادي بعين الاعتبار ، وتضع سلامة وبراءة هؤلاء الأطفال وتكفُل أبسط حقوقهم في الحماية من الاستغلال والتشغيل على رأس الأولويات .