إربد تتجلى على جدارية فنية كبرى: لوحة تعكس
هوية المدينة الثقافية والتاريخية والاجتماعية
نيروز –
محمد محسن عبيدات
على مدخل مدينة إربد، وعلى طريق إربد – عمان،
عند مدخل شارع مركز إربد الثقافي، تحتل لوحة فنية عملاقة مكانها لتكون نافذة حية على
تاريخ المدينة وروحها الثقافية والاجتماعية. هذه الجدارية التي بلغت مساحتها 20 مترًا
طولًا و3 أمتار عرضًا، لم تكن مجرد عمل فني، بل مشروعًا ثقافيًا متكاملًا يعكس هوية
محافظة إربد ويجسد ذاكرة المدينة وحاضرها الزاخر بالحياة.
تم تنفيذ الجدارية بالألوان الزيتية على يد
الفنان محمد هزايمة والفنانة مرام حسن، تحت إشراف مديرية ثقافة محافظة إربد وبدعم وزارة
الثقافة، وبالتعاون مع بلدية بني عبيد، وبمشاركة فريق من فناني جمعية الدار للثقافة
والفنون، لتشكل أكبر لوحة معلقة في شمال المملكة الأردنية.
تجسيد التاريخ والهوية
الجدارية لم تغفل أي جانب من جوانب إربد المميزة.
فقد حملت اللوحة مشاهد تاريخية بارزة، بدءًا من معركة اليرموك التي شكلت محطة فارقة
في تاريخ المنطقة، مرورًا بتدفق مياه نهر اليرموك الذي أضفى على اللوحة حياة وعراقة،
وانتهاءً بتجسيد التلال البازلتية ومعالم أم قيس العريقة، رمز الإرث الحضاري العميق
للمدينة.
كما احتضنت اللوحة شجر الرمان، الذي تشتهر
به المحافظة، وجعلت من مزارع القمح مشهدًا مركزيًا يعكس الدور الحاسم للإنسان الإربدي
في الأرض. وقد ظهر الرجل بزيه التقليدي والمرأة إلى جانبه تشاركه العمل، في تجسيد حي
لشراكة الحياة والكدح في المجتمع الإربدي.
الحاضر والمجتمع
لم تقتصر الجدارية على التاريخ، بل اهتمت
بالحاضر أيضًا. فقد جسدت جامعة اليرموك كصرح علمي مهم يرسخ مكانة المدينة في الوقت
الراهن، وارتفع ميدان الساعة في قلب اللوحة ليعكس نبض وسط المدينة وتاريخها الحديث.
وتزينت الأرض بمشاهد طبيعية من شجر الزيتون وزهور الدحنون والإقحوان والسهول الخضراء،
لتستحضر جمال الريف الإربدي وخصوبته الدائمة.
كما أعادت الجدارية إلى الذاكرة الأدبية بيت
عرار الثقافي، حيث عاش الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل، ليؤكد على دور الثقافة والأدب
في تشكيل هوية المدينة. ومن خلال رسم مسجد إلى جانب كنيسة على تلة إربد، أبرزت اللوحة
نموذج التعايش الديني الذي يميز المجتمع الأردني، وترسيخ قيم التسامح والانسجام بين
مكونات المدينة.
رسالة الفن والهوية
الفنان محمد هزايمة أوضح أن الجدارية
"لم تكن مجرد عمل بصري، بل رسالة فنية توثق ملامح إربد وتؤكد دور الفن في صون
الهوية". فيما أكدت الفنانة مرام حسن أن "الجدارية تمثل مساحة حوار مجتمعي،
تعكس تاريخ المدينة وتبرز قيمها الإنسانية من خلال لغة اللون والرمز".
من جهته، أعرب مدير مديرية ثقافة محافظة إربد،
الدكتور سلطان الزغول، عن شكره للفنانين على جهودهم، مؤكدًا أن متابعة معالي وزير الثقافة،
الأستاذ مصطفى الرواشدة، وتسهيله لكافة مهام فريق العمل، بالإضافة للتعاون المباشر
مع محافظ إربد وبلدية بني عبيد، كان له الأثر الأكبر في إتمام هذا المشروع ليصبح مساحة
بصرية جمالية مميزة على مدخل المدينة ومركزها الثقافي.
مشروع ثقافي سياحي جمالي مستمر
يُعد هذا الإنجاز بداية مشروع طموح تسعى من
خلاله مديرية ثقافة محافظة إربد إلى إبراز الذاكرة الوطنية عبر جداريات فنية على مداخل
المدينة وساحاتها الرئيسية، بالتعاون مع فناني المحافظة والهيئات الثقافية، لتصبح إربد
منصة حضارية وجمالية تجمع بين التراث والحداثة.
من جهتها، تضيف جمعية الدار فصلًا جديدًا
لمسيرتها الفنية، مؤكدة دورها في تعزيز حضور الفن التشكيلي في المجتمع، وربط التراث
بالحداثة، وإتاحة مساحات حوارية وثقافية تمثل المدينة بكل أبعادها التاريخية والاجتماعية.
الجدارية ليست مجرد لوحة، بل تجربة بصرية
وروحية تروي قصة إربد عبر ألوانها ورموزها، لتظل مرآة حية لذاكرة المدينة وحاضرها المزدهر،
وتوجه رسالة قوية بأن الفن يمكن أن يكون أداة لبناء الهوية وصون القيم الوطنية.