يشكّل التعدد الثقافي والاجتماعي في الأردن ركيزة أساسية للهوية الوطنية الجامعة، لكنه في الوقت نفسه يفرض مسؤولية مضاعفة في إدارة التنوع بشكل عادل وفعّال. ففي محيط إقليمي يعاني من تفكك اجتماعي وصراعات طائفية وهوياتية، نجح الأردن في الحفاظ على تماسك مجتمعه واستقراره، غير أن هذا النجاح لم يُترجم دائمًا إلى اندماج فعلي ضمن عقد اجتماعي متجدد يعزز ثقة المواطن بالمؤسسات ويجسر الفجوة بين المكونات الوطنية.
الهوية الوطنية الأردنية: وحدة في تنوع
يتألف المجتمع الأردني من مكونات متعددة من حيث الأصول والمنابت: العشائر الأردنية، والفلسطينيون، والشركس، والشيشان، إلى جانب أقليات دينية وعرقية أصغر مثل الأرمن والدروز والأكراد. وقد أدارت الدولة تاريخيًا هذا التنوع بمزيج من سياسات الدمج والتمثيل المتوازن، إلا أن غياب إطار مدني متكامل للهوية الوطنية حدّ من استثمار هذا التنوع كقوة دفع للمشروع الوطني.
لقد ساعد الاستقرار الأمني والسياسي على احتواء الخلافات، لكنه لم يكن كافيًا لتعزيز شعور مشترك بالمواطنة الفاعلة، خاصة في ظل تراجع الثقة بأداء المؤسسات الحكومية، وخصوصًا لدى الشباب الذين تُظهر الدراسات المحلية والإقليمية عزوفهم المتزايد عن الانخراط في الحياة السياسية.
مقارنات إقليمية: دروس من الجوار
تشهد دول الجوار في بلاد الشام والعراق هشاشة في العلاقة بين الهويات الفرعية والدولة، حيث انزلقت سوريا والعراق ولبنان نحو محاصصات طائفية أو قومية أضعفت فكرة المواطنة وقوّضت مفهوم الدولة الجامعة. وفي المقابل، ما زال الأردن يحتفظ بفرصة تاريخية لتجنب هذا المسار، عبر تعزيز المواطنة الجامعة وتكريس مبادئ المساواة أمام القانون، مع توفير تمثيل متوازن يرسّخ الانتماء دون إلغاء الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
مواطن بين حالين
من أبرز التحديات الراهنة شعور بعض المواطنين بازدواجية الانتماء أو بغياب التمثيل العادل داخل مؤسسات الدولة. كما أن النخب السياسية تجد صعوبة في تحويل التنوع إلى مشروع وطني جامع، الأمر الذي يترك فراغًا تملؤه الانتماءات الجهوية أو العائلية أو الطائفية. وتشير الدراسات إلى أن ما يزيد عن ثلثي شباب المنطقة العربية لا يثقون بالمؤسسات الرسمية، وأن الهوية العائلية أو الجهوية غالبًا ما تتقدم على الهوية الوطنية، وهي مؤشرات يجب التعامل معها بحذر في الأردن.
العقد الاجتماعي الجديد: متطلبات النجاح
قدّمت الأوراق النقاشية الملكية، التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني، رؤية واضحة نحو عقد اجتماعي جديد يربط المواطنة الفاعلة بالحكم الرشيد، ويؤكد على سيادة القانون والعدالة الاجتماعية. غير أن التحدي يكمن في الانتقال من التنظير إلى التطبيق العملي، بحيث ينعكس ذلك في أداء مؤسسات الدولة وسلوكها.
إن بناء هوية وطنية متماسكة يتطلب:
- الاعتراف بالتنوع كقيمة مضافة لا كتهديد.
- ضمان العدالة في توزيع الفرص والموارد.
- إصلاح الإدارة العامة لتكون أكثر حيادية وكفاءة.
- تمكين المجتمع المدني كشريك في الحوار وصنع القرار.
- إشراك الشباب في صياغة السياسات الوطنية، بما يعزز إحساسهم بالمشاركة والانتماء.