في ظل هذه الظروف ،وقلة الفرص أمام الفئات الأقل حظا، لم يعد مجديا استمرار السياسات التقليدية، التي تقتصر على تقديم الدعم المؤقت .
فالدعم وأن كان ضروريا في لحظات الطوارئ ، لا ينشئ تنمية ،ولا يبني استقرارا ،وحده التمكين هو المفتاح، نعم تمكين المواطن من أن يصنع مصيره ،ويصبح شريكا ،في معادلة الإنتاج والتقدم .
"لا تعطيني سمكة ،علمني كيف اصطاد "
التحول من الدعم إلى التمكين ، ليس مجرد تغيير في آلية الدعم ،بل هو تحول فكري واستراتيجي ،في نظرة الحكومة والمجتمع ،إلى الفئات الهشة، فبدلا من الاكتفاء بتقديم المساعدات ،يصبح الهدف تمكين هذه الفئات ،من التعليم والعمل ،واتخاذ القرار، والمشاركة في التنمية .
إن التمكين يعني بناء مواطن، مستقل قادر على الإنتاج ، وعلى تجاوز التحديات الاقتصادية ،والاجتماعية بنفسه، ضمن بيئة عادلة ، توفر له الأدوات ،لا الدعم فقط .
لذلك تجد أن التمكين ، ليس شعارا نؤمن به ،بل منظومة متكاملة، دعانا إليها التحديث الاقتصادي، ونجد انه علينا أن نعمل على تشريعات وانظمه ،تدعم ذلك .
نحن بحاجة إلى تعليم نوعي ،يجهز الشباب لدخول سوق العمل ، بمهارات حقيقية ، خاصة المهن التقنية ،والرقمية ، كذلك التمويل والدعم للمشاريع الصغيرة ،عبر تسهيلات مصرفية ، وحاضنة أعمال، وفرص ريادية ، خاصة للبوادي والأطراف .
إضافة إلى المشاركة المجتمعية ،من خلال فتح أبواب المجالس المحلية ،ومجالس المحافظات ،والمؤسسات التنموية ، ليكونوا شركاء في الخطط التنموية .
ومن أهم استحقاق لتنمية المجتمع ،ورفع كفاءته ،هو تمكين المرأة الريفية ، فهي كثيرا ما تعد من الفئات المهمشة، لكنها في ذات الوقت ،أكثر الفئات القادرة على إحداث تغيير حقيقي ،إذا ما أتيحت لها الفرصة .
فالمرأة التي تعيل أسرتها ، وتتقن الزراعة، والحرف اليدوية ، تحتاج فقط إلى من يفتح أمامها أبواب التدريب ،والتسويق ، والدعم التقني .
وأن تمكينها ليس فقط تحقيقا للعدالة الجندرية ،بل استثمار في طاقات كامنة، قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد المحلي .
أن هذه المناطق، تختزن إمكانات بشرية ،وثقافية واقتصادية ، ومن هنا فإن التمكين ،في هذه المناطق ، هو بوابة نحو عدالة جغرافية ، وتنمية متوازنة .
والاستثمار في الفئة الأقل حظا ، هو أكبر من التزام أخلاقي ، أو إنساني ،إنه من أهم أسس الاستقرار .
فكل فرد يتم تمكينه ،هو جدار إضافي في صرح الأمن الاجتماعي ، وخط دفاع ضد البطالة والتطرف .
يتطلب هذا التحول الاستراتيجي ، منظومة عمل تشاركيه ، تبدأ من الإرادة السياسية ،مرورا بدور الوزارات والمؤسسات الرسمية ، وصولا إلى منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص.
فالحكومة مطالبة بتوفير السياسات المحفزة، والتمويل ،والمجتمع المدني معني بتقديم البرامج النوعية، القابلة للتطبيق ، وقياس أثرها بشكل دوري، والقطاع الخاص مطالب بأن يكون شريكا في التنمية ،من خلال مبادرات التوظيف والتدريب ، وتحقيق تشاركيه فعالة .
يجب أن نخرج من بوتقة العطاء الموسمي ،إلى التمكين المؤسسي ،فالفئات الأقل حظا ،حين تمنح الفرصة ،تثبت أنها قادرة على الإنجاز ،والتحول من العون إلى التمكين ،هو عدلا اجتماعيا ، والاهم إنه الطريق الأقصر، إلى مجتمع أكثر استقرارا ،واقتصاد يمتاز بالقوة ،ووطن عظيم .