في سنةٍ عجفاء، تحوّل الأخضر إلى رماد، والمشروعات المزدهرة إلى أطلال، لأن مقود القيادة أُسلم لمن لم يحمل من الخبرة إلا ما يكفي لإطفاء جذوة النجاح، ومن الرؤية إلا ما يهدم ما بُني بعرق السنين. عامٌ واحد بدّد جهد أعوام، واستبدل الازدهار بالخراب، والعمل بالعبث، والأمل بالخذلان.
اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة، يتقدمها قائد يدرك معنى العمل ويجيد إدارته، يقرأ الملفات بعين الخبير، ويمسك بخيوطها بيد الحاذق، واضعًا سيادة القانون والحوكمة الرشيدة أساسًا لكل خطوة، حيث لا مكان للخداع، ولا وقت للعبث، ولا مجال إلا للإنجاز الحقيقي.
إن الإدارة إذا خلت من البصيرة وافتقرت إلى الرأي السديد، كانت كالسفينة التي قُطع شراعها، فلا يدفعها ريح، ولا يبلغ بها مجداف، بل تتقاذفها الأمواج حتى تنتهي إلى جرف هارٍ، كحال المُنبتّ الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
لقد مضت سنة ظاهرها العمل والحركة، وباطنها العجز والفشل؛ تراكمت فيها العناوين وتزخرفت الصفحات، لكن أثرها في الواقع كان كالسراب، يحسبه الظمآن ماءً، فإذا جاءه لم يجده شيئًا. ومشاريع انهار بنيانها وتداعى أساسها، أُلبست لباس الفخر، وزُفّت إلى الناس كأنها أعاجيب الإنجاز، بينما الصور أمام أطلالها كانت وثائق نجاح مزعوم، والحقيقة تشهد بخلاف ذلك.
كانت سنة برز فيها النفاق بوجهه الكامل؛ مديح يلمّع ما يستحق النقد، وفعل يجمّل ما تهدّم، وحقيقة غابت عن المشهد لتحتل مكانها كلمات منمّقة، وأصبح الولاء للأشخاص أقوى من الالتزام بالمبادئ.
وجاءت الزيارات الميدانية التي عُلّقت عليها الآمال، فإذا بها تتحوّل إلى مشاهد دعائية تُبث على صفحات التواصل، تفيض بالابتسامات العريضة وتخلو من أي حلول حقيقية، وكأن الغاية أن تُلتقط الصورة لا أن يُعالج الخلل.
ومن طرائف هذا النهج الإداري الاستعانة بأهل الجهل في مهمات الرأي؛ لا يفرّقون بين الخطأ والصواب في أبسط الأمور، لكنهم يملكون براعة عجيبة في طمس أسماء أهل الفضل ونَسب الجهد إلى أنفسهم.
لم تكن تلك الإدارة فلتة، بل خطة محكمة لإضاعة الوقت: حركة بلا اتجاه، وكلام بلا طائل، وتقارير تجمّل الخراب وتعرضه بفخر على أنه إنجاز وفتح مبين.
غير أننا اليوم في مرحلة أخرى، طُويت فيها صفحة تلك الإدارة، وجاء من يكشف الزيف ويعيد الأمور إلى نصابها، يمسك بملفات العمل كما يمسك الحاذق بزمام جواده، لا يتركه يضل ولا يتهاون في قيادته. وفي هذه المرحلة، تكون سيادة القانون أساسًا، والحوكمة الرشيدة منهاجًا، فلا يعلو صوت على صوت العدل، ولا تُتخذ خطوة إلا على أرض من الشفافية والمساءلة.