منذ تأسيس جامعة اليرموك عام 1976، وهي من أبرز مؤسسات التعليم العالي في الأردن والعالم العربي، تعاقب على رئاستها ثلاثة عشر رئيسًا. هذه التغيرات القيادية لم تكن مجرد حراك إداري، بل شكلت في كل مرة إما فرصة لتعزيز مكانة الجامعة، أو أزمة كشفت عن مواطن ضعف في منظومة اتخاذ القرار.
أولًا: من أين جاء رؤساء اليرموك؟
عند تتبع الخلفيات الأكاديمية لرؤساء الجامعة، يظهر نمط واضح:
🔹 4 رؤساء فقط جاؤوا من داخل الجامعة نفسها:
د. محمد الصباريني
د. سلطان أبو عرابي
د. رفعت الفاعوري
د. زيدان كفافي
🔹 9 رؤساء من خارج الجامعة، منهم:
6 من الجامعة الأردنية:
د. عدنان بدران، د. محمد حمدان، د. علي محافظة، د. مروان كمال، د. عبدالله الموسى، د. إسلام مسّاد (الرئيس الحالي)
3 من جامعة العلوم والتكنولوجيا:
د. فايز الخصاونة، د. محمد أبو قديس، د. نبيل الهيلات
هذا التوزيع يُظهر بوضوح أن القيادة الأكاديمية العليا في اليرموك اعتمدت غالبًا على شخصيات من خارج الجامعة، رغم وجود كفاءات داخلية كان من الممكن تأهيلها وتحميلها المسؤولية.
ثانيًا: من هم الرؤساء المؤثرون؟
عند مراجعة فترات الرئاسة وربطها بمراحل النمو والازدهار، نستطيع أن نستخلص قائمة بأسماء رؤساء تركوا بصمة إيجابية واضحة:
1. د. عدنان بدران – المؤسس، أرسى قواعد الرؤية الأكاديمية والبحثية.
2. د. علي محافظة – قاد مرحلة تطوير البرامج الأكاديمية والبحث العلمي.
3. د. فايز الخصاونة – أحدث نقلة نوعية في الهيكل الإداري والتنظيمي.
4. د. عبدالله الموسى – عمل على دفع الجامعة باتجاه التصنيفات الدولية.
5. د. محمد أبو قديس – ترك بصمات تنظيمية وإدارية مهمة، واهتم بتوسيع العلاقات الخارجية.
🔸 تم استثناء فترة رئاسة الدكتور إسلام مسّاد من هذه القراءة، والتحليل لأسباب تتعلق باستمراريتها وعدم انتهائها، إلاّ أنه وبالرغم مما سبق فقد حققت الجامعة تقدمًا كبيراً على مؤشرات التصنيفات العالمية، كما أولت اهتمامًا واضحاً للعملية التعليمية، والبحثية من خلال تطوير البرامج الأكاديمية، والتشريعات الناظمة مما ادى لنجاحات متعددة في ظل تحديات مالية، ليست حديثة بل لها أسباب مرتبطة بالظروف الاقتصادية والحاكمية وسياسات التعليم العالي.
ثالثًا: الغياب اللافت لأبناء الجامعة
رغم تعدد الكفاءات الأكاديمية في اليرموك، إلا أن القائمة تخلو تمامًا من أي رئيس "من أبناء الجامعة" اعتُبر من الرؤساء المؤثرين، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول فرص الترقي الداخلي، واستثمار الطاقات القيادية داخل المؤسسة.
رابعًا: أسئلة مؤسسية مؤرقة
هذا الواقع يقودنا إلى طرح أسئلة مشروعة، لا تخص اليرموك وحدها، بل تمتد إلى معظم جامعاتنا:
لماذا يُستقدم القيادي من الخارج رغم وجود كفاءات في الداخل؟
هل السبب يعود إلى ضعف التأهيل القيادي الداخلي؟ أم انعدام الثقة المؤسسية؟ أم أن هناك تدخلات غير أكاديمية في صناعة القرار؟
هل توجد آلية مؤسسية حقيقية لتقييم الأثر الإداري والأكاديمي للرؤساء؟
أم أن "التدوير" بين الجامعات الكبرى أصبح تقليدًا إداريًا لا يخضع لمعايير الأداء؟!
خامسًا: من أجل مستقبل أكثر استقلالًا
إذا أردنا فعلاً بناء جامعة قوية، مستقلة، وقادرة على التطوير الذاتي، فيجب أن يعاود التفكير في فلسفة القيادة الجامعية. حيث المعيار الحقيقي يجب أن يكون الأثر، لا الاسم؛ الإنجاز، لا الانتماء.