كل عام، وقبل أن يبدأ الموسم الدراسي الجديد، يتكرر المشهد ذاته: مدارس خاصة ترفع رسومها بصمت، ووليّ أمر يئن في صمت. وكأن التعليم أصبح سوقًا مفتوحًا بلا رقابة، يحكمه العرض والطلب، لا رسالة تربوية ولا ضمير مجتمعي.
قبل أيام، ذهبتُ لتسجيل ابنتي في الصف السابع بإحدى المدارس الخاصة، فُوجئت بطلب مبلغ ١٥٦٧ دينارًا، منها ٨٨ دينارًا فقط ثمن كتب منهاجٍ حكومي! نعم، الرقم صادم، لا يتعلق بجامعة ولا دراسة خارجية، بل لطالبة في الصف السابع! رسوم تسجيل، ونقل، وكتب، وزيّ، وغيرها من المتطلبات "الإلزامية" التي أصبحت عبئًا لا يُحتمل.
والنتيجة؟ أسرٌ تتحمّل فوق طاقتها، وأمهات وآباء يترددون بين رفض المدرسة أو التضحية لأجل مستقبل أبنائهم.
يدخل الأهالي في سباق محموم بين تسجيل أبنائهم وتأمين متطلبات العام الدراسي، وبين قروض، واستدانة، وسحب من المدخرات إن وُجدت. تسعيرة الكتب والقرطاسية والمواصلات تقفز فجأة، ولا أحد يسأل "لماذا؟" أو "وفق أي معيار؟"
نحن هنا لا نتحدث عن رفاهية التعليم، بل عن ضرورة باتت تُثقل كاهل الأسرة الأردنية، التي أصبحت تدفع للتعليم الخاص ليس لأنها تملك ترف المال، بل لأنها فقدت الثقة بالتعليم الحكومي، رغم الجهود المعلنة لتطويره.
الغريب أن وزارة التربية والتعليم تتابع كل شيء… إلا هذا. أين الرقابة على الرسوم؟ ولماذا لا يُلزم أصحاب المدارس بكشف مالي شفاف يبيّن أوجه صرف هذه المبالغ؟ لماذا يُترك وليّ الأمر وحيدًا في مواجهة جشع بعض المدارس دون حماية قانونية؟
إننا بحاجة اليوم إلى إعادة ضبط بوصلتنا الأخلاقية كمجتمع، وأن تستعيد الدولة دورها الحقيقي في حماية المواطن من الاستغلال، خاصة في قطاع حساس كالتعليم. فالتعليم ليس سلعة تجارية، ولا ينبغي أن يكون بابًا مفتوحًا للربح السريع على حساب عقول أبنائنا وكرامة أسرنا.
فهل نرى قريبًا قرارًا حازمًا يلجم هذا التمادي، ويعيد للتعليم هيبته وعدالته؟ أم سنبقى ندفع ونسكت حتى يصير التعليم حلمًا بعيد المنال لذوي الدخل المحدود؟