في في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة والتحديات الداخلية التي تتطلب خطابا وطنيا موحدا ومصداقية مؤسسية، يبرز دور وزارة الاتصال الحكومي كاستجابة استراتيجية لتحديث منظومة العمل العام، وتفعيل أدوات الدولة في التواصل الفعّال مع المواطنين، حيث لم تعد الرسائل الحكومية ترفا تنظيميا أو مجرّد أخبار بروتوكولية، بل غدت عنصرا أساسيا في صناعة الثقة، وتشكيل الوعي، وتعزيز الانتماء.
هذه القراءة تسلط الضوء على دور الوزارة في هندسة الخطاب الرسمي، وتفعيل الشراكة مع الإعلام، وتعميق المشاركة المجتمعية، في إطار نهج إصلاحي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني نحو دولة حديثة تتكامل فيها أدوات الحكم مع تطلعات المجتمع.
وفي سياق الرؤية الملكية السامية لتحديث الدولة الأردنية بمختلف مساراتها السياسية والاقتصادية والإدارية، برزت خارطة طريق تحديث القطاع العام كوثيقة استراتيجية طموحة تهدف إلى الارتقاء بمستوى الأداء الحكومي وتعزيز كفاءته وفعاليته، ومن بين أبرز المنجزات التي تجسدت على أرض الواقع ضمن هذه الخارطة، يأتي تأسيس وزارة الاتصال الحكومي، ليمثل خطوة نوعية ومفصلية نحو بناء جسور الثقة والتواصل الفعال بين الحكومة والمواطن، وتعزيز الشفافية والمشاركة والمساءلة في العمل العام.
لم يكن إنشاء وزارة الاتصال الحكومي مجرد إضافة هيكلية جديدة للقطاع العام، بل جاء استجابة لحاجة ماسة وملحة فرضتها طبيعة المرحلة وتحدياتها؛ ففي ظل التطور الهائل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وتدفق المعلومات المتسارع، أصبح من الضروري وجود جهة مركزية تتولى مهمة صياغة الخطاب الحكومي الموحد، وتنسيق الرسائل الإعلامية، وتقديم المعلومة الدقيقة والموثوقة للجمهور.
قبل تأسيس الوزارة، كانت هناك تحديات تتعلق بتشتت الجهود الاتصالية بين مختلف الوزارات والمؤسسات، مما قد يؤدي أحياناً إلى تضارب في الرسائل أو تأخر في الاستجابة للقضايا الملحة، فجاءت الوزارة لتوحيد هذه الجهود، وتفعيل دور الاتصال كأداة استراتيجية لدعم السياسات الحكومية، وشرح المنجزات، وتفنيد الشائعات، وبناء رأي عام مستنير.
تضطلع وزارة الاتصال الحكومي بأدوار محورية تتجاوز مجرد الجانب الإعلامي التقليدي، لتشمل جوانب استراتيجية وتنموية بالغة الأهمية:
- تعزيز الشفافية وحق الحصول على المعلومة: تعد الوزارة الذراع الحكومي لضمان تدفق المعلومات بشفافية وموضوعية، من خلال تفعيل آليات واضحة للحصول على المعلومة، حيث تساهم الوزارة في بناء ثقافة الانفتاح، وتمكين المواطنين ووسائل الإعلام من فهم أعمق للقرارات والسياسات الحكومية، مما يعزز من مبادئ الحوكمة الرشيدة.
- بناء جسور التواصل بين الحكومة والمواطن: تعمل الوزارة على تطوير قنوات اتصال فعالة ومتعددة الاتجاهات، لا تقتصر على إيصال رسائل الحكومة للجمهور فحسب، بل تمتد لتشمل الاستماع إلى آراء المواطنين وملاحظاتهم، وفهم تطلعاتهم واهتماماتهم، ويساهم هذا التفاعل المستمر في تعزيز المشاركة المجتمعية في عملية صنع القرار.
- مواجهة الشائعات والمعلومات المضللة: في عصر المعلومات والفضاء المفتوح، أصبحت الشائعات والمعلومات المضللة تشكل تحدياً كبيراً يؤثر على الأمن المجتمعي والوطني، وهنا يأتي دور الوزارة في رصد هذه الظواهر، وتفنيدها بالحقائق والأدلة، بالتعاون مع الجهات المعنية، لحماية الوعي الجمعي من التشويه.
- دعم مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري: تلعب الوزارة دوراً حيوياً في شرح أبعاد ومستهدفات مسارات التحديث للمواطنين، وتوضيح الفوائد المترتبة عليها على المدى القصير والمتوسط والبعيد، بشكل يسهم في تعبئة الطاقات الجماهيرية لدعم هذه المسارات، وتحويلها من مجرد خطط إلى واقع ملموس يشارك فيه الجميع.
- صياغة الخطاب الإعلامي الوطني: تعمل الوزارة على بلورة خطاب إعلامي وطني موحد يعكس استراتيجية الدولة الأردنية، ويستند إلى مرتكزاتها الدينية والقومية والقيادية، ويعزز الشخصية الوطنية الأردنية الجامعة، ويبرز منجزات الوطن وتطلعاته.
يمثّل تأسيس وزارة الاتصال الحكومي خطوة استراتيجية واستثمارا وطنيا واعيا، يجسّد فهماً عميقاً لأهمية الاتصال كركيزة أساسية في منظومة التنمية الشاملة والأمن الوطني، فلم يعد الاتصال الفعال مجرّد أداة مساندة أو وظيفة تكميلية، بل غدا عنصراً بنيوياً لا يتجزأ من النسيج المؤسسي للدولة، يُسهم في ترسيخ التماسك المجتمعي، وتوحيد الخطاب الوطني، وتعزيز المشاركة المجتمعية في صياغة القرار، ومواجهة التحديات بشفافية ووضوح، بما يحقق متطلبات التنمية المستدامة.
وتتجلى قيمة هذا الدور من خلال بناء جسور الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن، والانفتاح على الرأي العام، والاستماع إلى تطلعاته وتفاعلاته، وخاصة إشراك فئتي الشباب ومؤسسات المجتمع المدني بوصفهم شركاء فاعلين في المسيرة الإصلاحية والتواصلية، وركائز أساسية في دعم الرسالة الوطنية ونشر الوعي.
وإنّ مسؤولية إنجاح هذه الرؤية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، بل هي مسؤولية تكاملية يتشارك فيها الإعلاميون والمثقفون والمواطنون جميعاً، كلٌّ من موقعه، في بناء صورة وطنية مشرّفة، تُكتب بمصداقية وإخلاص، وتُترجم عمليًا على أرض الواقع، بما يعكس روح الأردن الحديث الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني بثبات نحو مستقبل مزدهر، ودولة قوية قادرة على مواجهة تحديات العصر بثقة واقتدار.