يقف المشرّع الأردني على أعتاب تعديل تشريعي مثير للجدل، يتمثّل في توسيع نطاق استبدال عقوبة الحبس بالغرامة المالية ليشمل الجرائم التي لا تتجاوز عقوبتها ثلاث سنوات، بعدما كان ذلك مقصورًا على الجنح البسيطة التي لا تتجاوز عقوبتها ثلاثة أشهر.
ورغم أن الدافع المعلن لهذا التعديل هو التخفيف من الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل، وتخفيف الكُلفة المترتبة على العقوبات السالبة للحرية، إلا أن التدقيق القانوني يكشف عن جملة من الآثار السلبية التي قد تمس جوهر العدالة، وتُضعف من هيبة الردع الجزائي.
أولًا: إضعاف الردع العام والخاص
العقوبة الجزائية لم تُشرّع عبثًا، بل لتحقيق الردع بنوعيه: العام الذي يمنع الناس من التفكير بارتكاب الجريمة، والخاص الذي يردع الجاني من العودة إليها. استبدال الحبس بالغرامة يُفقد العقوبة أثرها الرادع، ويجعل ارتكاب الجريمة – لدى البعض – مجرّد تكلفة مالية محتملة، لا سيما في الجرائم المرتبطة بالأفراد أو بالنظام العام.
ثانيًا: اختلال مبدأ المساواة أمام القانون
يُنتج التعديل تمييزًا غير مباشر بين الجناة؛ فالميسور ماليًا سيدفع الغرامة ويتفادى الحبس، بينما يقع الحبس فقط على غير القادر على الدفع. هذا التمييز يخلق تفاوتًا قانونيًا بين الجناة يُخالف مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (6) من الدستور الأردني، ويجعل العدالة مرهونة بالقدرة المالية.
ثالثًا: تقويض ثقة المجني عليه بمنظومة العدالة
في جرائم مثل الإيذاء أو التهديد أو الشتم، قد تكون العقوبة بسيطة من حيث المدة، لكن أثرها النفسي والاجتماعي على المجني عليه كبير. استبدال الحبس بالغرامة في هذه الحالات يُفقد الضحية شعور العدالة ويُضعف ثقته بالدولة وبالنظام القانوني، وهو أمر خطير اجتماعيًا وقانونيًا.
رابعًا: غياب الفرصة الإصلاحية للجاني
مراكز الإصلاح ليست فقط للحبس، بل لإعادة التأهيل وتقديم برامج تُسهم في تهذيب السلوك الإجرامي. وعند استبدال العقوبة المالية، يُحرم الجاني من تلك البرامج، ما يُكرّس احتمال العودة للجريمة دون تقويم أو علاج سلوكي.
خامسًا: نتائج مجتمعية خطيرة على المدى البعيد
توسيع خيار الغرامة على حساب الحبس قد يدفع البعض إلى التهاون في ارتكاب الجنح، باعتبار أن "الثمن” بات معروفًا ومقدورًا عليه، مما قد يزيد من معدلات الجرائم البسيطة ويُضعف الشعور بالأمن المجتمعي.
خاتمة: ضرورة الموازنة بين التخفيف والردع
صحيح أن التعديل يحمل أهدافًا تخفيفية من ناحية اكتظاظ السجون وكُلفة العقوبة، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الردع العام ومبدأ العدالة. ولذا، لا بد من وضع ضوابط قانونية صارمة، تُمكّن القضاء من استثناء بعض الجرائم من هذا الخيار، وتُراعي طبيعة الجريمة وحالة الجاني وأثر الفعل.
إن القانون ليس أداة للعفو غير المبرر، بل هو ميزان دقيق لتحقيق مصالح المجتمع وطمأنة أفراده بأن الجريمة لا تمرّ دون حساب.