في خضمّ الجدل الذي أُثير مؤخرًا حول تصريح للدكتور نواف العجارمة، أمين عام وزارة التربية والتعليم، تعلّق باستخدامه لمثل شعبي أردني خلال حديثه عن أزمة نقابة المعلمين، وجدتُ أن من واجبي كمتابعٍ ومختص في الشأن التربوي أن أُسجّل موقفًا موضوعيًا وإنصافًا مستحقًا.
المثل الذي استخدمه الدكتور العجارمة – "اللي حبله يولدها" – هو تعبير شعبي متداول، يستخدم في كثير من السياقات للإشارة إلى أن من تسبب في مشكلة ما، هو المسؤول عن التعامل مع نتائجها، ولا يحمل في معناه ما أُقحم عليه من إسقاطات حرفية أو نوايا مبيّتة.
لقد طُرحت العبارة في سياق توصيفي دقيق للأزمة، وليس في إطار إساءة شخصية أو لغوية. وما يدعو للتأمل أن بعض ردود الفعل جاءت مستندة إلى اجتزاء الكلمة من معناها الحقيقي، وتحميلها فوق ما تحتمل، في محاولة لخلق أزمة من فراغ، أو تحويل الأنظار عن جوهر المشكلة الحقيقي.
الدكتور نواف العجارمة ليس طارئًا على المشهد التربوي، ولا من الباحثين عن النجومية الإعلامية، بل هو ابن الميدان، يعرف همومه، ويتحدث بلغته، ويمتلك من الصدق والاتزان ما يجعله نموذجًا للمسؤول الذي لا يتنكر لهويته ولا يُساير على حساب الحقيقة.
الحقائق كما هي:
من تسبب بإغلاق نقابة المعلمين هو من اختار التصعيد وواجه الدولة بنديّة، وليس من علّق على تبعات المشهد بمثل شعبي.
من قال "أنا الدولة" علنًا، ورفض أي مساحة تفاهم، هو من حمّل الجسم النقابي تبعات المواجهة، وليس من وصف الموقف بلغة المجتمع.
الدولة الأردنية، بقانونها ومؤسساتها، أكبر من أي فرد أو مجموعة، والحفاظ على هيبتها لا يتناقض مع احترام المعلم، بل يحميه ويصون مهنته.
ثقافتنا ليست تهمة
إن المفارقة المؤسفة في هذا الجدل أن البعض اختار الاصطفاف ضد العبارة لا ضد المشكلة، وضد اللهجة لا ضد التجاوز، وكأننا نعيش انفصالًا ثقافيًا عن أنفسنا. فالمثل الشعبي ليس عيبًا، بل جزء من وعينا الجمعي، وتعبير عن قيم العدالة وتحمل المسؤولية.
إن الميدان التربوي اليوم، بأزماته وتحدياته، يحتاج إلى خطاب مسؤول، لا إلى منابر افتراضية تستثمر في التأويل أو تصنع بطولات وهمية. والدكتور نواف العجارمة قدّم موقفًا يُحسب له، لا يُؤخذ عليه.
في زمن ضبابية الخطاب، تبقى الصراحة ضرورة، والبساطة قوة، والصدق موقفًا لا يملكه إلا من نشأ في الأرض وفهمها… مثل نواف العجارمة.