في زمنٍ تشتدُّ فيه الأزمات، وتختبر فيه المواقف معادن الرجال، يظهر الأبطال الحقيقيون أولئك الذين لا ينتظرون تصفيقًا، ولا يبحثون عن شهرة، بل يحملون أرواحهم على أكفّهم، ويسيرون نحو الخطر حين يفرّ منه الجميع. إلى هؤلاء الرجال الأشاوس، رجال الدفاع المدني الذين هبّوا لنجدة الأشقاء في سوريا، نكتب هذا المقال بمداد من فخر واعتزاز، ممزوج بامتنان لا تحدّه الكلمات.
أيها الصامدون، يا من خطوتم بثباتكم على تراب سوريا المنكوبة، لتمسحوا عن جبينها غبار الكارثة، ولتضيئوا شمعة أمل في قلب الظلمة أنتم لستم مجرد فرق إنقاذ، بل أنتم كتيبة من الرحمة، وسفراء لوطنٍ لا يرضى أن يقف موقف المتفرج حين تناديه الإنسانية.
حملتم معكم الشجاعة والإصرار، وتركتم خلفكم أهلكم وأبناءكم، لتكونوا مع من لا نعرفهم، لكننا نشترك معهم في إنسانيتنا. لم تكونوا هناك فقط لإزالة الأنقاض، بل أعدتم بناء الإيمان بأن الخير ما زال موجودًا، وبأن هناك من لا يزال يهبّ لمساعدة الغريب كأنه أخٌ قريب.
لقد شاهدنا صوركم، ورأينا وجوهكم المتعبة الملطخة بالغبار، وعيونكم الممتلئة بعزيمة لا تُقهر. رأينا كيف كنتم تسابقون الوقت، وتنقبون بين الركام بحثًا عن نبض، عن صرخة، عن حياة وكيف كنتم تقفون كالسدّ المنيع في وجه الألم، لا تهزكم الدموع، بل تزيدكم إصرارًا على البذل والعطاء.
أيها الأبطال، أنتم فخر هذا الوطن، ودرعه المتين في وقت السلم كما في الشدائد. أنتم عنوان الوفاء، ورمز النخوة، ومثال يُحتذى في معاني التضحية والواجب. عملكم لم يكن مجرد مهمة، بل كان رسالة للعالم أجمع: أن الشقيق لا يترك شقيقه، وأن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن البطولة لا تقاس بالقوة بل بالفعل النبيل.
إن الوطن، قيادة وشعبًا، يرفع لكم القبعة احترامًا، ويضع أوسمة الشرف على صدوركم، ويقف وقفة إجلال أمام بطولتكم. لقد مثلتم بلدكم خير تمثيل، وأثبتّم أن الدفاع المدني ليس مجرد جهة رسمية، بل مؤسسة إنسانية تحمل في جوهرها الإيثار والفداء.
نكتب لكم هذه الكلمات، لا لنرد لكم جميلكم، فما قدمتموه أعظم من أن يرد، بل لنقول إننا نراكم، ونقدركم، ونحملكم في قلوبنا بكل فخر. ستبقى أسماؤكم منقوشة في ذاكرة الوطن، وستُروى بطولاتكم على ألسنة الأجيال القادمة، لتعرف معنى الرجولة الحقّة، والتضحية الصامتة التي لا تطلب مقابلًا.
ختامًا، نسأل الله أن يحفظكم ويحميكم، وأن يجزيكم خير الجزاء، وأن يكتب لكم أجر كل نفس أنقذتموها، وكل دمعة جففتموها، وكل أمل أعدتموه إلى قلبٍ كان على وشك أن ينكسر.
شكرًا لكم يا صُنّاع الحياة وسط الموت، يا نورًا في زمن العتمة، يا رجال الدفاع المدني.