إقامة
أول صلاة جمعة في مسجد الحاجة المرحومة "أم الخير" في إربد – معلم ديني يروي
حكاية الوفاء والإيمان
نيروز
- إربد – محمد محسن عبيدات
في
أجواء من الخشوع والإيمان، احتضنت مدينة إربد أول صلاة جمعة في مسجد الحاجة المرحومة
رحمة عبدالسلام، المعروفة بـ"أم الخير"، الذي شُيّد على نفقة زوجها الأديب
والمفكر الدكتور محمد قنديل وأبنائها، تخليدًا لذكراها العطرة ومسيرتها الإيمانية التي وُصفت
بالخاصة والمتميزة.
يقع
المسجد بجوار دوار الشهيد معاذ الكساسبة (الطيّارة)، وقد حضر الصلاة الأولى نحو 500
مصلٍ من أبناء المنطقة، وسط مشاعر من الفرح والامتنان لافتتاح هذا الصرح الإيماني الذي
يعكس روح الوفاء والعطاء.
تصميم
هندسي يجمع بين الجمال والوظيفة ، حيث أشرف على تنفيذ المشروع المهندس سامي قنديل،
بمساندة مباشرة من محمود قنديل، الذين عملا على تحويل الفكرة إلى واقع ملموس، حيث بُني
المسجد على قطعة أرض مساحتها 850 مترًا مربعًا، ويتكوّن من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي
مخصص بالكامل للنساء، وله مدخلان مستقلان يفتحان مباشرة على الشارع الرئيسي، وقد تم
تجهيزه بأفضل التجهيزات من حيث الإضاءة والعزل والتهوية. الطابقان الأول والثاني مخصصان
للرجال بمساحة تقارب 600 متر مربع، صُمما بدون أعمدة داخلية لخلق فراغ بصري موحد، باستثناء
الأعمدة التي ترتكز عليها القبة المركزية. ويتميز المسجد بعزله الكامل عن الضوضاء الخارجية،
حيث صُممت النوافذ بزجاج عازل للصوت، ما يوفر بيئة هادئة وخاشعة للصلاة والتأمل.
المسجد
مفروش بسجاد مصري عالي الجودة، وتوزعت في أرجائه 20 ثريا فخمة، بالإضافة إلى ثريا مركزية
ضخمة تتدلى من قلب القبة، كما زُوّد بـ22 مروحة حديثة ضخمة لتوفير التهوية المثالية
في فصل الصيف. أما المنبر، فهو تحفة معمارية بحد ذاته، صُمم كنُسخة طبق الأصل عن المنبر
العمري في المسجد الأقصى، وبلغت تكلفة إنشائه 12 ألف دينار أردني، تعبيرًا عن عمق الارتباط
الروحي بالقدس الشريف. القبة الخارجية للمسجد مغطاة بفسيفساء صغيرة تعكس أشعة الشمس
بشكل بديع، في حين صُنعت الأبواب من خشب الزان الصلب، الذي يضفي طابعًا من الفخامة
والمتانة على مداخل المسجد.
حرص
القائمون على المشروع على تزويد المسجد بوحدات صحية منفصلة للرجال والنساء، مزودة بكافة
متطلبات الصحة العامة والنظافة، كما أن الدرج الداخلي بين الطوابق صُمم بمستوى راقٍ
من الراحة، ومُغطى بالسيراميك المانع للانزلاق ومحاط بدرابزين من الستانلس ستيل.
المسجد
تم تسجيله رسميًا ضمن أملاك وزارة الأوقاف، ليبقى وقفًا دائمًا باسم الحاجة المرحومة
"أم الخير"، ويخدم المجتمع المحلي جيلاً بعد جيل.
الدكتور
محمد قنديل، الذي عرفه الوسط الأدبي والثقافي كأحد الأصوات الفكرية النابضة، تحدث بتأثر
بالغ عن زوجته الراحلة، لنيروز الإخبارية قائلًا:
"كانت رحمها الله تحفظ كتاب الله وتختمه أسبوعيًا، وتهتم بالقرآن كما لو أنه قطعة
من روحها. أردت أن يكون هذا المسجد وقفا باسمها، صدقة جارية تُنير قبرها، كما أنارت
حياتنا بالإيمان والتقوى." وأضاف: "أم الخير لم تكن زوجة فحسب، بل كانت نبعًا
من الطمأنينة، ومثالا للمرأة المؤمنة التي تعيش القرآن وتطبقه في كل تفاصيل حياتها."
وقال
أحد وجهاء المنطقة: "افتتاح هذا المسجد لا يمثل فقط إضافة عمرانية، بل هو إضافة
روحية عظيمة، ستُسهم في تعزيز الجانب الديني لأبناء الحي، وستظل ذكرى الحاجة أم الخير
عالقة في القلوب."
أما
أحد المصلين فقال: "شعرنا بطمأنينة لا توصف ونحن نؤدي أول صلاة جمعة في هذا المكان
الطاهر، فقد تم تصميمه بعناية ليكون بيتًا من بيوت الله يليق بعظمته."
مسجد
"أم الخير" ليس مجرد بناء، بل قصة حب ووفاء تُرجمت إلى معلم ديني خالد، يجمع
بين المعمار الرفيع، والنية الصادقة، والروح الإيمانية. هو رسالة من الدكتور محمد قنديل
إلى كل من عرف زوجته، تقول: "هكذا تخلّد الأرواح المؤمنة... بالقرآن، وبالوقف،
وبالدعاء الذي لا ينقطع".
رحم
الله الحاجة رحمة عبدالسلام، وجعل هذا المسجد نورًا لها في قبرها، ومأوى للراكعين الساجدين
الباحثين عن السكينة.