في الخامس والعشرين من أيّار، لا تشرق شمسٌ على الربى الأردنية إلا وهي تَحمل في خيوطها عبق المجد، ووهج الكرامة، وهدير التاريخ الذي سُطّر بالدم الطهور، لا بالحبر وحده. هو يوم الاستقلال، لا كأيِّ يوم، بل نُقطة فاصلة في مسار وطنٍ أبى إلا أن يكون حرًّا، شامخًا، مَصون السيادة، موفور الكرامة.
في مثل هذا اليوم من عام 1946، انبلج فجرٌ جديد على تراب الأردن، يوم ارتفع لواء العزّة، وانحسر ظلّ الانتداب، فاستعاد الوطن زمام أمره، وتوشّحت جباهُ أبنائه بالحرّيّة، بعدما سُقِيَت الأرض بالتضحيات، وأُرْوِيَت جذورُ الكرامة بدماء الأحرار.
يا أردنُّ، يا أرض المهابة والرسوخ، يا واحة الأمن في محيطٍ مضطرب، لك المجد مَرَّتين: مرّة حين رفعت راية الاستقلال، ومرّة حين جعلته سلوكًا راسخًا، لا شعارًا يُتْلَى عند المواسم فحسب. لقد أثبتتَ أنّ الاستقلال لا يُقاس بتواريخٍ تُؤرَّخ، بل بإنجازاتٍ تُبنى، ومواقف تُسَجَّل، ورجالٍ يعصمون الوطن من الوقوع في براثن الانكسار أو التبعية.
في يوم استقلالك، تُنصِت الصخور في الشراه والسلط لعزف النشيد، وترتجف حباتُ الرمل في وادي رمّ خشوعًا لما سُطّر من بطولات، ويهتف اليرموك والكرك والطفيلة والبادية: "نحن حماةُ الدار، ورثةُ المجد، وسُلالة الأوائل الذين حملوا السيفَ بيد، والمعول باليد الأخرى”.
ولئن كان الاستقلال قد أُعلن ذات يوم، فإنّ صونه وتجذيره واجبٌ يتجدّد كلّ صباح، في كلّ مزرعة، ومدرسة، ومستشفى، وخندق. هو عهدٌ بين الأرض وأبنائها أن لا يهون القرار، ولا تُداس الكرامة، ولا يُفرّط بذرة تراب.
فيا أُسودَ الوطن، يا جيشًا أردنيًّا تتكسّر على صموده المؤامرات، ويا مخابراتٍ يقِظة كالسيف، ويا شعبًا صبورًا كريم الخُلُق، نخبّ إليكم بكأس العزّ في هذا اليوم العظيم. فأنتم درعُ الاستقلال وحصنُه، وأنتم رواةُ الحكاية الذين لن يُبدّلوا تبديلا.