في الخامس والعشرين من أيار، لا نحتفل بذكرى الاستقلال فقط، بل نستحضر رحلة وطن تأسس على العدالة، وصيغت هويته في وجدان شعبٍ آمن بحقه في الحرية والكرامة. وها نحن اليوم، في الذكرى الـ79 لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، نقف وقفة فخرٍ وعز، نستعرض فيها الماضي لا لنعيش فيه، بل لنستلهم منه قوة الحاضر وثبات المستقبل.
أنا كمواطنة أردنية أولًا، ومحامية ثانيًا، أعي تمامًا أن الاستقلال لم يكن مجرد فصلٍ سياسي أنهى الانتداب البريطاني عام 1946، بل هو ولادة دولة قانون، دولة سيادة، دولة لا تكتفي بالتحرر من الخارج، بل تناضل باستمرار لتحقق العدالة في الداخل.
استقلالنا جاء نتيجة تضحيات رجالٍ حملوا السلاح والفكر معًا، وحلموا بدولة تُحكم بالدستور، وتُبنى بالقانون، وتُصان بالولاء والانتماء. واليوم، وبعد 79 عامًا، أشعر أن دوري كقانونية ليس فقط في قاعات المحاكم، بل في الدفاع عن هذا الوطن كلٌّ من موقعه؛ بحماية حقوق الإنسان، ونشر الوعي القانوني، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.
انتمائي للأردن ليس شعارًا أكتبه في مقالة، بل التزام يومي أمارسه بفخر. أشعر به وأنا أقدّم استشارة قانونية لمحتاج، أو أرافع دفاعًا عن مظلوم، أو أشرح مادة دستورية لطالب جامعي. كل هذا بالنسبة لي تجسيدٌ حيٌّ لمعنى الاستقلال… استقلال العقل، والحق، والضمير.
وما يجعل هذا الوطن عزيزًا أكثر هو قدرته الدائمة على النهوض رغم كل التحديات. بلدنا الصغير بحجمه، كبير بحكمته، صامد برغم الأزمات، ثابت على مواقفه، لا ينحني، ولا يُساوم على مبادئه. وهذا بحد ذاته يُشعرني كأردنية بطمأنينة لا تقدّر بثمن.
اليوم، في ذكرى الاستقلال، لا أكتفي برفع العلم، بل أرفعه ومعه قلبي، وضميري، ومسؤوليتي. أُجدد العهد بأن أبقى وفيّةً لهذا الوطن، مدافعةً عن كرامته القانونية والاجتماعية والإنسانية، ومؤمنةً بأن حب الوطن فعلٌ لا يُختصر في الكلمات، بل يُثبت في السلوك، والموقف، والنية الصافية
وفي الختام..
استقلال الأردن الـ79 ليس رقمًا في الرزنامة، بل هو رسالة لنا جميعًا: أن نبقى أوفياء لما بدأه الأوائل، وأن نكون على قدر الأمانة. فالأردن لم يُبنَ على الرمال، بل على قيم ثابتة، ومبادئ راسخة، وقانون عادل. وكلما ازددنا انتماءً له، ازداد قوةً ومناعة.
كل عام والأردن بخير… كل عام ونحن أبناء هذا الوطن الحر، نبنيه بالقانون، ونحميه بالحق، ونفديه بالروح. عاش الوطن، وحفظ الله الأردن، ملكًا وشعبًا ووطنًا.