جواد العناني السياسي و الاقتصادي الاردني ، شغل على مدى عقود مناصب رفيعة داخل مواقع اركان الدولة الأردنية.
هذا المقال الذي نكتبه ليس دفاعا عن شخص جواد العناني ، ولا عن هويته الفرعية ، و لا انتصارا أو انحيازا لآراءه ( هي قناعاته وقد تكون قناعات آخرين ) التي صرح بها لقناة كان العبرية ، و لم يخرج فيها عن ثوابت الدولة الأردنية، لكنها مرونة و مناورة اللغة الدبلوماسية .
توفير مبدأ العدالة في الرد على من انتقد العناني لآجل تلك الآراء ، دافع هذا المقال .
العناني بخلفيته و مكانته داخل مراكز صنع القرار على مدار سنوات طويلة ، اكسبته الخبرة و ابجديات التفكير المنهجي ، لذا يمتلك مقومات تقديم الرؤى و التحليل السياسي بوصفه خبيرا استراتيجيا ، إمكانيات جعلته مواكبا الملكيتين ( الثالثة و الرابعة ) ، مستوعبا لفكر عقل الدولة بين المئويتين ، مدرسة الراحل الحسين بن طلال السياسية ، و امتدادها الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، هذا يحتاج إلى توافر مواصفات استثنائية في الشخصية السياسية ، لم يصل لها إلا قلة من أبناء جيله ، و من الجيل الحالي السياسي ، السبب فارق الطرح ، مابين عمق الواقعية و سطحية الحكم و الاكتفاء بتبني الرواية الافتراضية .
لذا قد يحق للعناني ما لا يحق لغيره بحكم ما يمتلكه و ما هو مطلع عليه و المذهب التحليلي السياسي الذي يعتنقه في نقاش الملفات السياسية.
افتتاحية الرد تبدأ برصد الردود على ما جاء به العناني ، يتضح تبنيها من ثلاث تيارات سياسية لكل واحد منها فكره و وجهة نظره .
-الاول التيار الثوري الحماسي الكلاسيكي التقليدي .
-الثاني التيار الديني العاطفي الجهادي .
-الثالث التيار المحافظ الذي يرفع دعوات و شعارات (تداعيات القضية الفلسطينية و مخاطر تذويب الهوية الأردنية ).
اغلب الردود تراوحت ما بين الشكل التقليدي المتوقع في تداول هكذا عناوين من الاتهامات أولها ان العناني ساعي وراء المنصب ، هتافات التخوين و التحرير ، فتاوي التحريم و التدعيم بالنص القرآني ، هناك من قدم تحليل بصبغة سياسية أكاديمية ، لقالب دقائق مدة المقابلة ، تجاهل أقامة مراجعة تاريخية مقارنة لعاطفة أو موضوعية المواقف الشعبية تجاه الأحداث خلال تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي و الذهاب نحو لما هو ابعد من ذلك.
ليكون الرد حسب الترتيب :
-جواد العناني مع حفظ الألقاب قد يكون طامح ولما لا هناك سيرة تؤهله ، لكنه ايضا من النضج ليزهد في المناصب بعد هذه المسيرة الحافلة ، اذا لم يكلف بها لن يسعى لها ، هي تلك طبيعة شخصيته لكل من يعرفها .
-الادعاء أن التصريح أو إجراء المقابلات على منصة إسرائيلية هي البوابة للوصول أو اقرب وسيلة للحصول على المناصب هذا إجحاف و أضعاف بل تعدي سافر على أركان سيادة الدولة الأردنية ، و جهل في كيفية اتخاذ قرارات تكليف الشخصيات و مرجعيتها لدى صانع القرار و سيده داخل الدولة بما تقتضيه المصلحة الوطنية .
-اتهامات التخوين و السقوط في شباك التطبيع ، هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي توجه لشخصية سياسية و لكل من يقدم خطاب مختلف .
هي ذات النسخة و الأداة المكررة من التشكيك لاول ثورة و عمل نضالي ضد المستعمر المحتل في تاريخ الصراع من الثورة العربية ليومنا هذا ، أطلقها أفراد لما يشاركوا يوما في أي نضال ثوري عسكري ، تبنوا رواية المروي و المحكي من طرف واحد ، وآخرون شاركوا فعليا لاحقا انخرطوا في مفاوضات و ما جاء فيها من بنود و تسويات و لم يبذلوا عناء تفسير اتخاذ مثل هذا القرار من القيادات الثورية أو الدينية ، لكنها التبعية التنظيمية و العقلية المسلوبة الخيار .
الواقع العربي الراهن شيء و الامنيات السياسية التحررية شيء آخر .
على الشعوب العرب التمييز مابين حل السلة الكاملة (معادلة صفرية غالب أو مغلوب ) والواقع السياسي الراهن المعقد ، هم أسهموا في تعقيده و اضاعوه سابقا اصلا ولم يستفيدوا من محاكاة ظروف ماقبل ٤٨ و ما بعدها من هزائم ، بل شاركت الشعوب العربية فيها من خلال حالة الوعي السياسي السطحي التي سيطر عليها ، ولم يرغبوا يوما في دراسة الآخر (العدو) و تفكيك خطابه ولا نشأته وجوهر الصراع ومن يقف خلفه و يدعمه و تكتيكه في كل مرحلة .
لهذا ستبقى النتائج كما هي لا نتوقع الافضل و لا الاسوء على المدى القريب ، لكن السيء ممكن ، هنا الواجب يحتم علينا امتلاك قدرة قراءة المشهد بنظرة موضوعية و منطقية حتى نتوقع تسلسلها و الاستعداد بالتحضير لها بتدابير تقلل اضرار القادم ، هذا يكون بالمصارحة و التخطيط الاستراتيجي العملي ،لا أن يخالف ما يعلن في السر لما هو في العلن.
استخدام شعارات"غاز العدو احتلال", "إسقاط وادي عربة " ، "توزيع تهم التخوين" مهما بلغت شعبيتها , الأولى أن يكون هناك جهود لتشكيل جبهة اردنية عربية ناضجة واعية ضد مشاريع التوطين و التهجير القسري ، تثمر في صمود 7 مليون فلسطيني فوق تراب أرضهم و وطنهم ، لن يحدث هذا بالانفعالات و سلب البندقية النضالية الانفعالية العاطفية ، عقلها ثم المتاجرة بدماء شهدائها و أبطالها.
د عاطف نايف زريقات و هو القومي العروبي ، أخبرني لتعود الذاكرة السمكية للشعوب العربية للوراء ، تنسى ان نبذ و طرد آلاف اليهود العرب من اوطانهم بعد النكبة بمخططات الوكالة اليهودية للهجرة نحو الكيان الصهيوني المحتل الوظيفي أنعش امال قيامه بتوفير العنصر البشري له ، وتكرر السيناريو بهجرة آلاف اليهود الروس عند سقوط الاتحاد السوفياتي بعد الحرب الأفغانية و دور ادوات الخطاب الجهادي الاسلامي فيه .
-شعارات تذويب الهوية الوطنية الأردنية ، لم تعد تنفع لتهديد دولة اردنية مئوية ترسخت جذورها قيادة و شعبا و جيشا، مؤسسات حكومية و أمنية محترفة ، ملتفة تحت راية مملكة اردنية هاشمية نحتفل باستقلالها ال79 عن قريب ، لكنها هواجس المحاصصة و الخوف على المكاسب .
-الهوية الوطنية الأردنية الواحدة الجامعة الحفاظ عليها و حمايتها يتوقف على وعي عناصر تركيبة فسيفساء الداخل الاردني ، برفع كفاءة التحليل العقلاني للأحداث السياسية، اقتناعها بالتعددية التشاركية ،و اعمال الديمقراطية و العدالة الاجتماعية نحو بناء دولة مدنية حديثة قوية تحترم الموروث و تواكب الحداثة لا بشعارات التهويل .
-حسمت الدولة الأردنية أمرها بمواقف قيادتها وشعبها تجاه خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية "الاردن هو الاردن فلسطين هي فلسطين" .
-إعادة صياغة الخطاب الوطني الاردني و العربي ضرورة ملحة بالرجوع إلى جوهر الصراع منذ بداية نشأته و إعادة الاعتبار لقرارات 242,194,181 و إلزام المجتمع الدولي لها عبر التأكيد على إقامة الدولة الفلسطينية ، حق العودة ، احترام السيادة الأردنية و إيصال كل ما يلزم من رسائل سياسية أو عسكرية متاحة، مفادها استقرار المنطقة وأمنها يتوقف على تحقيق ما ذكر أعلاه ، حتى وإن أفضى بقيام دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة متعددة الإثنية ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .
-نحن العرب نجيد السلام الدافيء , لا حار و لا بارد ، ، نستمده من شريعتنا و السيرة النبوية ، دون مزايدة لأننا نؤمن بعدالة القضية وقد نطرحه ضمن سياق اتقان التكتيكات السياسية بأقامة البينة القانونية و السياسية , يشهد لها تاريخ من التضحية و الفداء و ماراثون من مبادرات السلام العربية و الدولية ، مقابل ادعاءات الكيان الذي يتبنى المظلومية و أنه ضحية معاداة السامية ليستغلها في ممارسات عنصرية أوغلت بالقتل و التدمير و صناعة برك من الدماء.
ثقافة الجيتو التي يفرضها و يؤمن بها اليمين الديني المتطرف و الجدار العازل اكبر دليل ، و التطرف لن يقابله إلا تطرف.
-77 منذ النكبة و محاولات إفراغ فلسطين ، لكنها مازالت عامرة بشعبها الذي روها بالدماء و الشهداء ، هل يعقل استطاعة هذا الاحتلال التوسع أكثر ، لكن يمكن أن يحدث و يهجر بأن يمزق و يبعثر محيطها أكثر ليس بذكاءه بل ضحالة فكر الآخر.
عندما يتحرر العقل العربي من اثنان أدعياء الخطابات الثورية العدمية و دعاة الخطابات الدينية العاطفية القائمين سدنة أوصياء على حراسة تلك الاقواس المحاصرة (للقضية الفلسطينية) ، عند كسرها قد يولد فكر للأمة العربية قوامه المنهجية الحقيقية العملية بشكل مختلف يفضي لتحرير فلسطين من النهر الى البحر .
اختم بآبيات لمظفر النواب :
وَهَمستَ بدفء برئتيها الباردتين...
أيقتلكِ البردُ ؟
انا .... يقتلني نِصفُ الدفئِ.. وَنِصفُ المَوقِفِ اكثر