في زحام الحياة، تتكاثر المواقف، وتتشعب الطرق، وتبقى القيم هي البوصلة التي تحدد وجهة الإنسان وعمق إنسانيته. فالإنسان موقف، والحياة بكل ما فيها من صراعات وتحديات ما هي إلا سلسلة مواقف تكشف معدن البشر، وتُظهِر إن كان ما يحملونه من مبادئ حقيقية أم مجرد شعارات تتساقط عند أول اختبار.
لا تُقاس العلاقات العائلية والإنسانية بقرب الدم فقط، بل بما يغرسه الإنسان في قلب الآخر من صدقٍ ومحبة ووفاء. وما يدمي القلب حقًا أن يكون أقرب الناس لك ممن يرفعون شعارات المحبة والتماسك، ثم لا يتوانون عن الغدر أو زرع الفتنة أو الترويج للنميمة، وكأنهم نسوا أو تناسوا أن النميمة ليست مجرد حديث عابر، بل سهم مسموم يصيب القلوب، ويهدم بيوتًا، ويقضي على سنواتٍ من الثقة والبناء.
المبادئ ليست رفاهية أخلاقية، بل هي جوهر الإنسان، فمن فقدها فقد ذاته، وسقط في هاوية التلون والتقلب. والإنسان بلا مبدأ هو بلا أخلاق، مهما تزين بجميل القول أو ادّعى صفاء النية. فالمواقف هي المحك الحقيقي، وفي لحظات الحقيقة لا يصمد إلا من ارتكز على قيمٍ راسخة، وأخلاقٍ متجذرة.
من أشد الأوجاع أن تأتي الطعنات ممن ظننتهم سندًا، وأن ترى القيم تُسحق تحت أقدام المصالح، والضمائر تُباع على موائد الحسد والكراهية. وعندما تسقط القيم، لا يبقى شيء يستحق البقاء؛ فالسقوط الأخلاقي يجرّ خلفه سقوطًا في المعنى، وسقوطًا في الإنسانية.
العائلة، كما العلاقات الإنسانية الأخرى، لا تستقيم إلا على أرضية من الصدق، والاحترام، والنية الطيبة. وما يُبنى على غير ذلك، سرعان ما ينهار، مهما حاول أصحابه ترميمه بالكلمات المنمقة أو المظاهر المزيفة.
فلنُحِط أنفسنا بمن يحملون قلوبًا بيضاء، وألسنة طاهرة، وعقولًا لا تعرف إلا الخير طريقًا. ولنتذكر دائمًا أن من يفتعل الفتنة أو ينقل الكلام ليوقع بين القلوب، لا يعمل إلا على تخريب ما تبقى من إنسانية في هذا العالم.