في زحام الحياة وتقلّب الأيام، يقف الإنسان على حافة السؤال الأزلي: من أنا؟ أأنا هذا الجسد الذي يركض وراء اللذة والمعنى؟ أم أنني شيء أعمق من لحم ودم؟ سؤال لا يجيب عنه العقل بسهولة، بل تضيئه التجربة ويصقله التأمل، وتكشفه لحظات الصمت الطويل.
النفس، كما وصفها العلماء، كيان يتشكّل من الرغبات، المشاعر، والقرارات.
إنها الساحة التي تدور فيها معارك الخير والشر، وقد قال عنها الإمام الغزالي: "النفس كالحصان الجامح، إن لم تُروّضه رماك أرضًا".
أما الروح، فهي السرّ، النفحة الإلهية، قال تعالى: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" [الإسراء: 85].
ليست النفس، بل ما يسمو بها، ويعيد الإنسان إلى أصله الطاهر.
لكن السؤال الجوهري: من يقود حياتك؟ النفس أم الروح؟
إن قادت النفسُ المقود، فالوجهة شهوةٌ أو غضب، أما إذا قادت الروح، فالمسار نور وسكينة ورفعة.
وقد قال ابن القيم في كتابه الروح: "الروح تطلب علوًّا، والنفس تهوى سُفولًا، وبينهما صراعٌ لا ينتهي، إلا أن تُروَّض النفس وتُغذى الروح".
وفي حكمةٍ راقية قال جلال الدين الرومي: "أنت لست قطرةً في المحيط، بل المحيط كلّه في قطرة".
ففي أعماقك ما هو أوسع من الدنيا، وأنقى من كل صراع.
أما الأساس، فهو في توازنٍ دقيق: النفس هي موضع الاختبار، والروح هي مصدر الارتقاء.
فإذا تهذّبت النفس وخضعت لنور الروح، تجلّى الإنسان في أسمى حالاته.
فاصغِ لصوت الروح، ولا تنسَ ما قاله ابن عطاء الله الاسكندري: "النفس تطالبك بحقوقها، والروح تدعوك إلى خالقها، فانظر إلى من تستجيب".