في زَمَنٍ طغى فيهِ الصَّخَبُ على السُّكونِ، وتكاثَرَتْ فيهِ الأصواتُ الخافتةُ الخاليةُ منَ المعنى، يُطِلُّ علينا شابٌّ اسمهُ فِداءُ الدِّينِ يحيى الخاشي، كأنَّهُ شُعاعُ نُورٍ في عَتمةِ الغَفلَة، أو نَفَسٌ طاهِرٌ في هَواءٍ مُلوَّثٍ بالأهواءِ.
ليس نجمًا يتباهى بالشَّهرةِ، ولا باحثًا عن تصفيقٍ أو مُتابعين... بل هو حامِلٌ لِرِسالةٍ، ورَسولٌ من نوعٍ خاصّ: رِسالَتُه "الدِّين"، وسِلاحُه "الكلمةُ الصادقة"، ووجهتُه "قلوبُ النّاس".
وُلِدَ فِداءُ الدِّينِ عامَ ١٩٩٤م في العاصِمةِ اليمنيّة صنعاء، ونشأ في بيئةٍ مُحافِظةٍ مُتشبِّعةٍ بالقِيَم. يَنحدرُ من أصولٍ يمنيّةٍ أصيلة، ويحملُ ملامحَ مجتمعٍ يُعاني، لكنَّهُ لا يزالُ يُنجبُ الطيّبين.
أكمل دراستَهُ الجامعيّة في جامعة صنعاء بتخصّص العلوم السّياسيّة، ثم سافرَ إلى ألمانيا ليُتابِع دراستَهُ العُليا، وهناك نالَ درجةَ الماجستير في هندسةِ التحكُّمِ الآليّ والأتمتة من جامعة TU Kaiserslautern، بتقديرٍ ممتاز.
لكنّ الشهاداتِ وحدها لم تكن ما يُعرِّف هذا الشابّ. فِداءُ لم يَسلك طريقَ الدعوةِ التقليديّة، لم يتخرّج من منابرَ دينيّة، ولم يلبس عباءةَ "الواعظ"، بل خرج إلى الناس حاملًا هاتفَهُ المتواضِع، وكلماتٍ خرجت من القلبِ لتصل إلى القلوبِ.
صوتُهُ خافتٌ لكنَّهُ عميق، بسيطٌ لكنَّهُ مُزلزلٌ في أثرهِ، لا يُلقي محاضرات... بل يروي قِصَصًا من واقعهِ، وتجلّياتٍ من قلبه، فيُوقظُ فيك شيئًا كان نائمًا منذُ زمنٍ.
حين يتكلّم، لا تسمعُ فقط بل تَرتجف. تشعرُ أن قلبكَ يُستنهَضُ من سباتهِ، وأنّ روحكَ تقفُ على أعتابِ التّوبةِ. كلماتهُ لا تخطبُ وُدَّ الجماهير، بل تُناجي ضميركَ بإخلاصٍ، تُخاطبُكَ كأنَّك وحدكَ في هذا العالم، وتُربّت على قلبكَ الهاربِ بلُطفٍ شديد.
في عالمٍ تَغرقُ فيهِ المنصّاتُ بمحتوى ضائعٍ ومُفرغٍ من المعنى، يأتي فِداءُ الدِّينِ ليُعيدَ ترتيبَ البوصلة. ليس شيخًا تقليديًّا، بل "أخٌ كبيرٌ"، يُربّت على كتفِ الضائعِ ويهمس له: "ما زالَ اللهُ يَنتظِرُك."
محتواهُ ليس عبورًا عابرًا في الخوارزميّات، بل غذاءٌ للرّوحِ، ودواءٌ للقلوبِ المُشتّتةِ. يتناولُ مواضيعَ قريبةً من واقعِ الشبابِ، بلغةٍ تُشبههم، ومن قلبٍ يُشبه ما يبحثونَ عنه. يُجيدُ أن يكونَ صادقًا دون أن يَفقدَ هيبتَه، قريبًا دون أن يُسقِطَ المعاني، مُلهِمًا دون ادّعاء.
لقد باتَ من النّادرِ أن نجدَ شابًّا يُشبه فِداءَ الدِّينِ؛ شابًّا يُتقنُ فنَّ التأثيرِ دون بَهْرَجة، يُحيي في المتابعِ حُبَّ الصّلاة، والشَّوقَ للقرآن، والحياءَ من الله.
هو لا يدعو للخوف، بل يُحيي الرّجاء لا يُعقِّدُ الطريقَ، بل يُبسّطُه ويملؤه نورًا.
فِداءُ الدِّينِ يُثبِتُ أنَّ التأثيرَ الحقيقيَّ لا يُقاسُ بعددِ الإعجابات، بل بعددِ الأرواحِ التي عادتْ إلى اللهِ بسببهِ.
هو الأملُ في زمنٍ فقدنا فيه كثيرًا من الملامحِ الجميلة. هو ذاكَ النموذجُ الذي تمنّيناهُ طويلًا، وانتظرناهُ طويلًا، فإذا به حاضرٌ بيننا، يُذكِّرُنا أنَّ الخيرَ ما زالَ في هذه الأمّة، وأنَّ النّقاءَ لم يَمُتْ.
نَحتاجُ إلى ألفِ "فِداءُ الدِّينِ"
نَحتاجُ إلى شبابٍ يُذكِّروننا باللهِ دون أن يُخيفونا، يُحبِّبونَ الإيمانَ للقلوبِ دون أن يُعقِّدوا الطريق. نحتاجُ إلى صوتٍ مثل صوتِه، حين تَشتدُّ الضَّجَّةُ وتَضيعُ الأصواتُ