في زمنٍ باتت فيه الأبواب تُغلَق في وجه المحتاج، فتحت القروض الربوية أفواهها تبتلع من لجأ إليها مضطرًّا، لعلَّه يجد فيها فسحةً من الفرج. لكنها، ويا للأسف، لم تكن إلا سيفًا مسلولًا على رقاب البسطاء، تسرق منهم ما تبقى من قوتهم، وتغرقهم في بحور العجز والديون، وتفاقم الوضع سوءًا في وطنٍ يشكو فيه المواطن من ضيق الرزق وضآلة الدخل.
المواطن الأردني اليوم يقف على حافة الهاوية؛ فراتبه لا يكفي لسد حاجاته الأساسية، والأسعار في ارتفاعٍ مستمر. وفي ظل هذه المعادلة المختلَّة، يلجأ كثيرون إلى القروض، لا ترفًا ولا طمعًا، بل طلبًا للعلاج، أو لتعليم أبنائهم، أو لسداد إيجار بيت، أو لشراء أساسيات الحياة. ولكن القروض الربوية، وإن بدت حلًّا عاجلًا، ما هي إلا داءٌ عضال، أشد فتكًا من الفقر ذاته.
فالربا لا يجلب البركة، بل يمحقها. وهذه حقيقة لا تقبل الجدال، قال الله تعالى: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ"، وفي هذه الكلمات آيةٌ لمن تدبّر. وما نراه من فقرٍ مدقع، وضيقٍ في الأرزاق، وتفككٍ أسريّ، وتراكمٍ للديون، ليس إلا ثمرةً مُرَّة من ثمار المال الحرام الذي تسلل إلى بيوت الناس باسم "التمويل" و"القروض الميسّرة".
لقد بات المواطن الأردني أسيرًا لديونه؛ يخرج من راتبه الشهري ما لا يقل عن نصفه ليغطي فوائد القرض، ويبقى النصف الآخر يتقاسمه مع الفواتير، والإيجارات، والضرائب. وما أن يفرغ من شهر، حتى يبدأ النزيف من جديد. إنها دائرةٌ جهنمية لا مخرج منها إلا بالتوبة، والصبر، والبحث عن حلول تراعي كرامة الإنسان وتلتزم بشرع الله.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في النظام المالي برمّته، وفتح الأبواب أمام التمويل الإسلامي الحقيقي، الذي لا يقوم على استغلال الفقر، بل على تعزيزه ومساندته. كما يجب العمل على تحسين الرواتب، وضبط الأسعار، وتوفير مشاريع إنتاجية صغيرة تُغني المواطن عن الحاجة إلى القروض الربوية.
إن الحلال، وإن قلَّ، ففيه بركةٌ وسعة، والحرام، وإن كثر، فمآله إلى خسارة. فليكن شعارنا: "لا للربا، نعم للعيش بكرامة"، علَّنا نصل إلى مجتمعٍ لا يُذلُّ فيه الإنسان على أعتاب بنك، ولا يضيع فيه رزقه في دوّامة الربا.