لربَّما من أكثرِ الأسئلةِ شيوعاً هو التساؤل عن وجودِ الشّر في العالم؟ فمن أين أتى الشّر ولماذا استفحل؟ ولماذا يسمح الله بذلك وخصوصاً بأنَّ للشرار أبواباً وطرقاً عديدة خبيثة ومستحدثة ومحتورة كما هو فيروس كورونا اللعين، في تدمير الإنسان والإنسانية وخنق كل زرع صالح؟
هذه أسئلة مشروعة للخوض بها خصوصاً وأنّ مستويات الشَّر كثيرة وتتمثل في استقواء القوي بالضعيف والغني بالفقير والعالم بالجاهل، والمتسلط بالأعزل، والدول المتفوقة علمياً وتكنلوجياً وصناعياً بالدول المتخلّفة وما اصطلح عليه دول العالم الثالث؟
لربما يقول البعض هذه هي تناقضات الحياة فمآل الشيء ضده، فالنور تقابلة الظلمة، والليل النهار، والصحة المرض، والمرتفع المنخفض، والقوة الضعف، والغنى الفقر، ولكن ماذا عن الخير، فهل بالضرورة من السُنُن أن يقابله الشّر؟
لا أرى بالضرورة ذلك، فلم يُخلق عالمنا للشر بل للخير وللخير الأعظم، فلم يُخلق الخير ليقابله الشر، بل وُلد الشّر من فكر الإنسان ومنذ بدء الخليقة لأنه بفكره ميّال دائماً بطبيعته البشرية لفعل الشر والحسد والحقد والكراهية أكثر من ميله لفعل الخير والصلاح والبّر، وهذا ما حذى بقايين أن يقوم على أخيه هابيل ويقتله بضربة فاس حتى صرخ دمه لله من الأرض.
وما زالت هذه النزعة الشّريرة بقلب الإنسان حتى يرث الله الأرض وما عليها، ولذلك تكمن أهمية الوصاياً الإلهية لتكون دالتنا على فعل الخير ووأد روح الشّر في قلوبنا والنمو روحياً في طريق الخير والصلاح. ولهذا السبب نحتاج إلى الحياة الروحية الدائمة "إذ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله"، ونحتاج كذلك إلى القضاء العادل والنزيه ليحكم بين بني البشر بعدلٍ وحق لكي لا يستفحل الشرير في شره وفي غَيَه تجاه الزرع الجيد والصالح الذي أوجده الله.
وصحيح أن عدالة الأرض نسبية وعدالة السماء مطلقة، لكن طالما نحن نعيش اليوم في عالم المادة فإننا نسعى لأن نسمو بالسلك القضائي لأعلى درجات النزاهة والعدالة لأنّ في ذلك تتميماً للعدالة الإلهية وللمحافظة على الزرع الجيد ليزداد قوة ومنعة وتنمو بذور الصلاح والخير وردع كافة أنواع المفاسد والشرور.