واهمٌ من يظن أن المفاوضات قد قطعت شوطًا نحو التوصل إلى اتفاق؛ فما يُحاك في الخفاء أعظم بكثير من مجرد صفقة لوقف إطلاق النار. فالكيان المحتل، الذي يترنح تحت ضربات المقاومة، لم يعد يأبه لأسرى أو جنسيات، وإنما يضع كل ثقله خلف مشروعه الأخطر: تهجير سكان غزة قسرًا إلى سيناء.
بهدوءٍ مريب، تتقدم خطة "الموت البديل"، مستندة إلى مبررات إنسانية زائفة. ستُنشأ "مناطق آمنة" قرب رفح، بذريعة تقديم المساعدات الغذائية والحماية المؤقتة، لكنها ستكون مجرد بوابات مفتوحة نحو التهجير الجماعي. ومثل جرعة مخدّر تُعطى لمريضٍ يعاني من مرضٍ عضال، سيجد الغزيون أنفسهم عاجزين عن التعبير عن الألم، بعدما تُشلّ قدرتهم على الرفض تحت وطأة الجوع والدمار.
المعركة المقبلة ليست فقط بين سلاحين، بل بين بوصلة أخلاقية ومشروع فاشي. الكيان المحتل يُدرك أن مصيره يتحدد في غزة، وأن فشل التهجير يعني بداية النهاية لمشروعه. ومن هنا، تتجه الأنظار إلى مصر: هل ستكون شريكًا في كسر هذا المخطط، أم درعًا واقيًا للأمة؟
الجيش المصري أمام اختبار وجودي؛ فإما أن يكون جند الله، كما كان عبر التاريخ، فيدكّ هذه المؤامرة، أو يترك بوابة سيناء مفتوحة لرياح التهجير والتطهير العرقي. نعم، سيصل عدد من المهجّرين إلى مصر، لكن الكثيرين سيكتب الله لهم الشهادة على أرضٍ لم يطأها العدو من قبل، تمامًا كما وعد الحق في قوله تعالى:
> "وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرًا"
(الأحزاب: 26-27)
الرهان اليوم على موقف القاهرة، التي إن اختارت نصرة غزة، ستكتب صفحة جديدة في تاريخ العرب، أما إن سكتت، فستُحسب شريكة في الجريمة.
الاحتلال يراهن على سياسة التجويع كأداة تفاوض، في وقتٍ تُصرّ فيه المقاومة على الثبات، رغم الضغوط الدولية والتهديدات المتواصلة. لقد بات الكيان اليوم أكثر عزلةً من أي وقتٍ مضى، وصورته تترنح عالميًا، حتى بين داعميه التقليديين.
السؤال الآن:
هل تنجح مصر في إفشال المخطط الصهيوني كما أفشلته غزة بالمقاومة، وتلتحق بركب اليمن في نصرة الشعب الفلسطيني؟.