متى يطالب وزراء الثقافة العرب بعودتها إلى أوطانها؟
آثـار وكنـوز عربيّـة..
تسرقهـا المتـاحف الغربيـة
- غـازي انـعـيـم
من المعروف أن عمليات نهب الآثار العربية تعود إلى عصر الحروب الصليبية وعهود الاستعمار المتعاقبة، علماً أن التنقيب الأثري بدأ في الشرق منذ القرن الثامن عشر حين كان تحت الحكم العثماني، وتنافست عليه كل من فرنسا وبريطانيا.. وقد تم خلال تلك العصور والعهود الاستيلاء على الكنوز التاريخية والتحف ذات القيمة المتميزة في فترات العوز أو الغفلة أو الضعف، ونقلت إلى مدن مثل، باريس ولندن وميونيخ وبازل وزيوريخ وليننغراد والبندقية ونيويورك وفينا.. وجرى عرضها في متاحف تلك المدن، مع أنها لا تمت إلى تاريخهم بأي صلة.
كما ساهم في نهب الآثار إلى جانب بعثات التنقيب التجار، ومافيات متخصصة بنقل الآثار من منطقة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، لقاء مبالغ مادية مغرية.. أما اللصوص الذين ينتمون إلى تلك الدول، فقد كانوا يبررون سرقاتهم تحت عنوان، أنهم يقدمون " خدمة " للعالم العربي بالاهتمام بآثاره وجمعها، لأن الشعوب العربية والإسلامية لا تقيم احتراماً كافياً لهذه الآثار..!!
ولكن السرقة لم تكن الوسيلة الوحيدة لتسرب آثارنا، فهناك وسائل أخرى، أهمها بعثات التنقيب والإهداء والشراء.
فبالنسبة لبعثات التنقيب كان هناك قانون عثماني ينظم العمل بالآثار، يوجب على بعثات التنقيب الحصول على الموافقة بالحفر صادر من الآستانة، إلا أن هذا القانون كان يجيز للبعثات أخذ كل اللقى التي تجدها، وكل اللقى التي أكشفت في ذلك الوقت أصبحت في عهدة الدول الغربية، وأكثر القطع الأثرية الموجودة اليوم في المتاحف الغربية أخذت في الفترة العثمانية.
أما بالنسبة إلى الشراء فأمره معروف، ولا يترتب عليه أي جريمة ما دام يقع في دائرة الممتلكات الشخصية، وكذلك الإهداء أمره معروف أيضاً، ولكنه في الحقيقة نوعان:
ـ نوع يهدي فيه المواطن العادي شيئاً من تحف بلاده التي يملكها إلى صديق له من بلد آخر أجنبي.
ـ ونوع يهدي فيه حاكم البلد شيئاً من آثار بلده أو تحفها لحاكم مسؤول مثله، وهذا أمر منتشر في بعض بلادنا للأسف، والأمثلة عليه أكثر من أن تحصى.
ومع ذلك يحدث أحياناً أن يهدي الحاكم شيئاً من هذه الآثار الثمينة لمواطنين لا حكام، وهناك بعض الأمثلة الكثيرة من هذا القبيل في متحف " متروبوليتان " في نيويورك، الذي يحتوي على قطع فرعونية كتب تحت كل منها عبارة مثل: " هذه القطعة أهداها والي مصر محمد سعيد باشا إلى المستر فلان، وورثها عنه ابنته.. التي أورثتها لابنها.. ثم قام.. هذا بإهدائها للمتحف، وهكذا، وقد تم هذا الإهداء بالطبع قبل إنشاء دار الآثار المصرية، ولكنه في النهاية يكشف عن طبيعة تصور بعض الحكام لآثار بلادهم، ونظرهم إليها على أنها ممتلكات شخصية.
لكن متى بدأت الآثار العربية تتسرب إلى الخارج؟
لقد بدأ التسرب في عصر الحروب الصليبية، عندما استولى الصليبيين البنادقة على كنوز بيزنطة في القسطنطينية ـ ألأستانة سابقا ًـ العام 1204، حيث نقلوا تلك الكنوز إلى خزائن كنيسة سان ماركو، ومن ضمن هذه الكنوز قارورة ذات مقبض من جنسها دون لحام، وعليها حفر دقيق يمثل أسدا جالساً مفتوح الفم، وتحمل اسم الخليفة الفاطمي " العزيز بالله 975 ـ 996 " وأغلب الظن أنها صنعت في القاهرة، أما كيف وصلت إلى كنيسة سان ماركو فيحتمل أن تكون قد نقلت إلى القسطنطينية، ثم نهبت هناك مع ما نهب.
كما يوجد في كنيسة سان ماركو قطع أخرى من الفن الإسلامي على جانب كبير من الأهمية التاريخية والفنية، وكلها من الزجاج الفاخر على هيئة قوارير بالغة الإتقان والدقة، نحتت وسويت باليد بلا فرن ولا نفخ! ويحتمل أن تكون هذه القطع قد انتقلت إلى البندقية عن طريق العلاقات التجارية والدبلوماسية التي قامت بين البندقية والدولة العثمانية، ولا سيما بعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين عام 1453م.
أما أشهر وأقدم وسيلة لتسرب هذه الآثار هي السرقة، وقد سجّل بعض مؤرخينا مثل المقريزي وابن ثغرى بردى، لحملة لويس التاسع على مصر سنة 1248م، وأشارا إلى أن عسكر الفرنسيين كانوا يدخلون البيوت في دمياط قبل هزيمتهم، ويخلعون المرايا ومشغولات الخشب ثم يعودون بها إلى معسكراتهم، ولم يكن في أوروبا وقتها مرايا ولا خشب مشغول في بيوت هؤلاء " العسكر "، ولا بد أن أيديهم طالت وامتدت إلى القوارير والأواني وغيرها من تحف.
لم تتوقف سرقة الآثار بل كثرت ما بين القرن التاسع عشر والعشرين، وتعتبر الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى ـ أواخر سنوات السلطنة العثمانية ـ الأكثر نشاطاً في تصدير الآثار العربية، ، إذ لم تفعل السلطنة شيئاً في ميدان الآثار، إلا التسهيل للقناصل الأجانب، تحت حماية الحصانة الدبلوماسية في زيادة المجموعات الأثرية المشتراة بأقل الأثمان أو النهب بلا مقابل.
كما جمعت الدول التي كانت تستعمر منطقتنا العربية في القرن الماضي آثاراً ضخمة من العراق وفلسطين وسوريا ومصر ولبنان وقاموا بشحنها إلى بلدانهم وأصدقائهم في أوروبا وأمريكا، ولإثبات " النبل " الاستعماري كان بعضهم يهدي شيئاً من مجموعته لأحد المتاحف في عاصمة ما، لتحمل اسمه وذكراه كلص إلى الأبد.
والدول التي تعتبر الأكثر سرقة لآثار وكنوز الدول العربية في القرن الماضي، هما بريطانيا وفرنسا، وقد شحنت تلك الدولتان، مئات الأطنان من الآثار الفريدة والتي لا يوجد في البلد الأصلي نسخ مشابهة لها مثل: جدران ومسلات وتماثيل.. وتم وضع الآثار المسروقة في متاحف وبيوت شخصيات تلك الدول.. وما تبقى من آثار تم تخزينه في أقبية المتاحف.
سرقة حضارة
ويعتبر المتحف البريطاني الذي تأسس في العام 1753م، أكبر متحف يحفظ ويعرض الآثار الخاصة بالحضارات، حيث يحتوي على مجموعات متكاملة لحقب تاريخية متعاقبة من جميع أنحاء العالم.. ويعود هذا، لكون المتحف البريطاني كان يقوم بكل هدوء بالتنقيب عن الآثار وجمعها من الدول التي كانت مستعمرات بريطانية، وبدون أن يعرف أصحاب البلد ما يدور على أرضهم وما يخرج منها. ومثال ذلك، ما تم اكتشافه في مدينة أور في جنوب العراق، ما بين 1922 ـ 1934، حيث تم نهب تلك المدينة بإشراف " ليوناردو وولي " الذي مول بعثته الكشفية من المتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الأمريكية.
لكن الاكتشافات الأهم لهذه البعثة، كانت مقابر السومريين، وقد تم نهب كل ما وجد فيها من حلي ذهبية، وفضية، وأحجار كريمة، وتماثيل، وأدوات موسيقية، وعربات وخوذ.. مما كان السومريون يودعونه مع ملوكهم في المقابر.
كما أن الآثار التي نهبها المتحف البريطاني من قصور مدن الآشوريين الأربع في شمال العراق قرب الموصل، لم تكن أقل أهمية من مقابر السومريين، فآثار تلك القصور التي اكتشفتها بعثات المتحف البريطاني ما بين: ( 1845 ـ 1963م )، يمكن مشاهدتها في المتحف البريطاني، منها لوحات قطعت من الحيطان، ومجموعة أخرى توضح صيد الأسود.. وهناك أيضاً محتوى المكتبة الكاملة لمدينة آشور بانيبال، وهي عبارة عن 25 ألف لوحة حجرية منقوشة.
ومن الآثار المنهوبة أيضاً، نحو 130 ألف لوح طيني يمثل معظمها الكتابة التصويرية لبلاد الرافدين قبل العام 3000 ق. م، وكذلك ختماً سومرياً يمثل رجلاً وامرأة وبينهما الشجرة المحرمة والأفعى، ويعود تاريخ هذا الختم إلى منتصف الألف الثالث ق. م، وهناك أيضا اللوح الأصلي لأقدم خريطة للعالم كانت موجودة في العراق، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من التماثيل المنحوتة من العاج، ومداخل مدن، عبارة عن أقواس منقوشة، مثل بوابة عشتار القديمة في بابل، وبدل أن يترك الإنجليز الرسوم والنقوش في أماكنها، قاموا بفصلها عن الجدران بالأزميل والشاكوش، فبقيت الجدران عارية تشهد على سرقة حضارة بلد عربي.
ومن أهم الآثار العراقية الموجودة في دائرة الآثار الشرقية في متحف اللوفر، ذلك الأثر الذي يعود إلى المملكة البابلية الأولى وهو شريعة الملك حمو رابي، المنقوش على حجر أسود مخروطي الشكل تم اكتشافه في عام 1901 في " سوسا ". ويبلغ ارتفاع هذا الحجر 25، 2 متر، ومكتوب باللغة الأكادية، ويبدو في أعلى الحجر " حمو رابي " وهو يقف بين يدي شمس اله الشمس والعدالة..
تاريخ فلسطين في بريطانيا
وإذا كان اللص لا يظهر ما يسرقه، ولا يعترف بفعلته حتى لا يفتضح أمره، والذي سيقوده للعدالة، فإن المتحف البريطاني يتباهى بما سرقه اللصوص والدليل على ذلك، ما قام به المتحف البريطاني، عندما عرض في بداية ثمانينات القرن الماضي بعض المسروقات، مثل قطع ( لاشيش ) الأثرية، التي تمثل قلب القسم الفلسطيني في المتحف البريطاني، وتلك القطع عثرت عليها شركة " ويلكام ـ كولت " البريطانية ما بين 1932 ـ 1938، بالقرب من " تل الدوير " بفلسطين.
تلك الآثار، تمثل تاريخ فلسطين القديم بشكل لا مثيل له على الإطلاق، نظراً لأن المكتشفات كانت عبارة عن طبقات متراصة تمثل كل منها حقبة زمنية تقاس بآلاف السنين.. ومن أهم المكتشفات لشركة " ويلكام ـ كولت "، سيف، عليه كتابة تعتبر المحاولة الأولى على الإطلاق للكتابة بحروف منهجية، حتى أن المتحف لا ينكر في منشوراته، أن هذه الآثار لا مثيل لها وتعطي تاريخ المنطقة في مراحل متعددة.
آثار مصر الأكثر تعرضاً للسرقة
وكانت مصر أكثر بلاد العالم تعرضاً لتسرب آثارها، فقد نهبت مقابر بأكملها، مثل مقبرة ( دير البحري ) وسلخت عن الجدران داخل الهرم، بالإضافة إلى المسلات، والتوابيت، وتماثيل فرعونية، مثل تمثال لفرعون من الأسرة الخامسة يعود لعام 2500 ق. م، وتماثيل للملك سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة 1850 ق. م، ثم رأس تحتمس الثالث المصنوعة من الجرانيت الأحمر 1450 ق. م، وأسد أمنحتب الثالث الجرانيتية الحمراء 1400 ق. م، التي أتم توت غنج أمون صنع واحد منها العام 1360 ق. م، وتماثيل للملك رمسيس الثاني حوالي العام 1250 ق. م، وحجر رشيد الذي يحمل نصاً يونانياً منقوشاً على صفحة لأمر ملكي مؤرخ بعام 196 ق. م، وأدوات منزلية للمصريين القدماء، وألواح طينية، وقطع عاجية، ومعدنية، وذراع مومياء مصرية، ورقائق وأعمال فنية.. إضافة إلى مومياءات فرعونية بشرية وحيوانية، منها مومياء عمرها نحو 300 عام، من طيبة / الأقصر، تخص الراعي الديني ( نصبر نب ) والتي نقلت إلى المتحف العام 1802 بعد أن اشتراها العالم ( واليس بدج ) عام 1801 من المنقبين عن الكنوز في قبور طيبة.
ويوجد مجموعة كبيرة من الآثار المصرية في متحف اللوفر، مثل: تمثال " أبو الهول " وهو من الجرانيت ويعود إلى عهد الهكسوس، وتمثال " أوزيريس " المصبوب من البرونز، وتمثال سيمنحت، وتمثال القط الفرعوني المشهور، وتمثالان لعائلة مصرية، وأهم من ذلك كله تمثال الكاتب القرفصاء، الذي تم نحته على حجر جيري، واكتشف في منطقة سقارة في إحدى مقابر الأسرة الخامسة. ومن التماثيل الهامة الأخرى الموجودة بالمتحف أيضاً، تمثال رقيق من الخشب يعود إلى الأسرة الثلاثين ( 378 ـ 341 ق. م )، ويمثل هذا التمثال رجلاً واقفاً تؤكد رأسه الحليقة ونظرته العميقة أنه يؤدي بعض الطقوس الدينية.
بالإضافة إلى ذلك يوجد معبد فرعوني صغير، ونماذج مصبوبة من حجر رشيد، كما توجد أثاث ( موبيليا )، ومن بين ما يحتويه اللوفر، نقش بارز على حجر جيري، وجد في مقبرة سيتي الأول ( 1318 ـ 1298 ق. م )، في وادي الملوك، ويصور النقش الآلهة " حاتور " تحمي سيتي الأول.
كما توجد في المتحف سلسلة عريضة من الآثار التي تمثل الأيام الأخيرة من مصر القديمة وهي فترات حكم البطالمة والرومان والبيزنطيين، إضافة إلى أعمال كثيرة من الفن القبطي.
وتعتبر المجموعة المصرية في متحف فينا واحدة من أكبر مجموعات المصريات بين متاحف العالم. بل أن الأهم من ذلك أنها تعتبر واحدة من أقدم المجموعات، فهذه المجموعة يرجع تاريخها إلى فترة تسبق فترة توجه دول أوروبا اهتمامها بمصر التي بدأت بالحملة الفرنسية التي قادها نابليون في عام 1798 م، وبحلول الربع الأول من القرن التاسع عشر كانت المقتنيات من الآثار المصرية قد وصلت نحو 400 قطعة أثرية. وتم الحصول على إحدى هذه القطع، وهي تمثال يعود للأسرة الفرعونية الحديثة.
وفي القرن العشرين كان خبراء الآثار النمساويون في مصر من أهم مصدر للمقتنيات الجديدة، والمجموعة المصرية بمتحف فينا تعتبر الأهم بالنسبة للمنحوتات الفرعونية بمختلف فتراتها، خاصة المملكة القديمة ( الألف الثالث قبل الميلاد ).
ويوجد في المتحف ثلاثة أعمدة جرانيتية أصلية يبلغ ارتفاعها نحو 7 أمتار وتعود إلى عام 1420 ق. م، كما يوجد بورترية لرأس رجل يعد أكثر القطع أهمية في مجموعة المتحف، وواحداً من أهم الوجوه غير العادية التي قام النحاتون المصريون بصنعها، وخلال فترة الأهرامات كانت مثل هذه التماثيل للوجوه توضع في غرفة الدفن مع الميت، وتضم مجموعة المتحف أيضاً، تمثالاً مزخرف لفرس النهر، وهو مصنوع من الخزف الأزرق.
لصوص مهرة..
وكان الألمان أيضاً من اللصوص المهرة للآثار، فتحت ستار المعهد الألماني للآثار المصرية في القاهرة، سرق آلاف القطع الأثرية ونقلت إلى متحف برلين الغربية، ومن أهم هذه القطع، الملكة تيجي، ورأس ملكة النيل نفرتيتي والأخير يعتبر أهم أثر فرعوني على الإطلاق، كما يوجد في متحف اللوفر، آلاف القطع الفنية من بينها، تمثال رائع للكاتب الجالس القرفصاء.
وتلك الآثار لا تملأ متاحف العالم الكبيرة فحسب وإنما ينتشر بعضها في ميادينه العامة أيضاً، مثل ( مسلة كليوباترا ) التي تشرف على نهر التيمس في قلب لندن وزميلتها التي تتوسط ميدان الكونكورد في قلب باريس وفي مدينة نيويورك وتركيا وغيرها.
ولا شك أن وراء تسرب كل قطعة آثار حكاية، وربما حكايات، ومن يقرأ كتب الرحالة الأوروبيين والأمريكيين عن مصر خلال القرن الماضي سيجد الكثير من هذه الحكايات التي يرويها أصحابها حول شراء قطع الآثار من الفلاحين والتجار المحترفين، ولكن هذه الحكايات وغيرها تدور في النهاية حول تسرب الآثار بالمفردات، في حين أن تسرب الآثار بالجملة كان أكبر وأفدح، ومع ذلك فحكاياته مختصرة عادة ومهذبة العبارات، عن عمد بالطبع، فالمصادر الإنجليزية ـ على سبيل المثال ـ تفسر سر وجود الآثار المصرية ـ ومنها حجر رشيد المشهور بأن القائد الإنجليزي نلسون حصل عليها بعد توقيع معاهدة سنة 1802م في الإسكندرية. ولكن هذه المصادر نفسها لم تفسر سر استمرار تدفق الآثار المصرية نحو لندن طوال الاحتلال الإنجليزي لمصر بعد ذلك.
وإذا كان هذا هو وضع الآثار الفرعونية في مصر، فما هو وضع الآثار والكنوز في لبنان وسوريا؟
من المعروف أن لبنان غني بالآثار النادرة، ولكن الطمع بالربح السريع دفع بالتجار والمافيات المتخصصة في هذا المجال إلى سرقة كميات هائلة منها وبيعها بالمزاد في الأسواق العالمية لتذهب إلى القصور أو إلى المتاحف الكبرى.
تشير الإحصاءات في هذا الموضوع إلى أن نحو 72 % من الآثار والكنوز القديمة الموجودة في لبنان، جرى تهريبها إلى الخارج بوسائل وطرق مختلفة، وشملت هذه العمليات كميات هائلة، اكتشفت في بعلبك وقلعة جبيل في صيدا وصور وبيروت.. وفقد لبنان عشرات الأعمدة والتحف والخزفيات والكنوز والمعادن الثمينة والفخاريات، والنواويس، والأخيرة تعتبر من أهم مخلفات الحضارة الفينيقية وعاصمتها صيدون وأرميت.. وهي موجودة في متحف اللوفر.
لقد تعرض لبنان على مر التاريخ وأثناء الحرب الأهلية للسرقة والنهب والبيع، والجدير بالذكر انه تم نقل الكثير من آثار وكنوز لبنان خلال الحكم العثماني الطويل إلى تركيا.
وخلال ذلك الحكم تم السماح للأمير الأرمني الروسي اباماليك لازاريف في العام 1882 بتقطيع لوحة القانون المالي التدمري، في سوريا ونقلها إلى متحف الارميتاج ببطرسبورغ، وكذلك المجموعة النادرة من المنحوتات التدمرية التي أخذها قنصل الدنمارك إلى متحف لي كارلسبرج في كوبنهاجن، وتماثيل عمريت التي تسربت إلى قنصل فرنسا في طرابلس، والتحف النادرة التي قدمت هدية للملك غليوم الأول خلال زيارته لسوريا.
وفي فترة الاستعمار الفرنسي أقدم الجنرال " فيفيان " حاكم حلب العسكري على تفكيك المحراب الخشبي الجميل الذي يعود إلى فترة نور الدين الزنكي ـ القرن 12 م ـ من جامع الخليل في قلعة حلب، وسرقته في وضح النهار، ونقله إلى بيته في فرنسا.
ويوجد في ألمانيا مجموعة آثار من تل حلف في منطقة رأس العين في شمال شرق سوريا، بينها أجزاء تمثال من الفترة الآرامية " أسد بازلتي من الألف الأول قبل الميلاد ". الأجزاء الأخرى من التمثال موجودة في سوريا، بالإضافة إلى ذلك يوجد في متحف برلين واجهة متحف حلب، التي تمثل مملكة تل حلف الآرامية، كما يوجد في متحف كوبنهاجن قطع مهمة من تل حلف، وكذلك في متحف استنبول، وكلها تعود للقرن العاشر قبل الميلاد.
أما الأثر الأكثر جمالاً في متحف برلين فهو " الغرفة الحلبية " المصنوعة من الخشب، حيث تم شراؤها في ظروف غامضة عام 1912م، ولا يزال مكانها شاغراً في بيت وكيل في حلب، وتعتبر هذه الغرفة من نفائس الفن الإسلامي.
ومن آثار الأردن المهمة نذكر " مسلة ميشع " التي أحرقت وانكسرت إلى عدة قطع بسبب اعتقاد عشائر المنطقة أن فيها كنزاً من الذهب، وقد اشتراها القنصل الفرنسي في القدس " كانو "، من العشائر التي تقاسمت المبلغ، وأرسلها " كانو " لباريس لترمم وتوضع في متحف اللوفر حيث هي الآن.
المطالبة بالآثار..
تواجه مطالب الدول صاحبة الآثار بإعادة القطع ـ النادرة على الأقل ـ اعتراضاً شديداً من المتاحف والمشرفين عليها في أوروبا وأميركا، وحجتهم أن الآثار أولاً محمية جيداً من المتاحف، وأن تجميعها قد تم بطرق قانونية وشرعية ثانياً! وينسون أنهم كانوا القانون والشرعية في تلك البلاد حين نهبوها.
ورغم محاولة الدول المنهوبة حماية نفسها بعقد اتفاقيات مع الدول التي تشجع على شراء الآثار.. فان التهريب لا زال مستمر لعدم موافقة الدول الصناعية على أية اتفاقيات.. وهناك الولايات المتحدة ودول أخرى.. تعتبر الأموال المستثمرة في الآثار أموالاً معفية من نسبة ضرائب كبيرة.. وهذا بالضبط ما يشجع على التهريب ويشجع من لا حضارة لهم على شراء الحضارة بالسرقة والنهب من الآخرين.. رغم وجود اتفاقية ثقافية تمنع التهريب للآثار والفنون، وهذه الاتفاقية أقرت في باريس من قبل " اليونسكو " في العام 1970 م، وقوامها إعادة الآثار المهربة للبلد الأصلي.
تلك الاتفاقية، لم يوقع عليها سوى ( كندا وايطاليا وفرنسا )، ولم توقع بقية الدول الصناعية عليها، فكيف توافق هذه الدول والعديد من معروضات متاحفها الرسمية " غير معروفة المصدر " ومشتراة من المهربين واللصوص..؟.. وهكذا فأية قطعة يتم سرقتها وتهريبها إلى الدول الصناعية، من المستحيل أن يتم إعادتها إلى بلدها الأصلي.
وإذا كانت عمليات نهب الآثار قد بدأت مع بداية الاستعمار، إلا أنها وللأسف لم تنته ولم تتوقف مع نهايته.. وما زالت مستمرة للآن بحجج واهية عن طريق الصهاينة الذين يرون أنفسهم، عن طيب خاطر، في ثوب " جامع الآثار " مثل الصهيوني " موشي دايان " الذي لم يكن يخجل أو يخفي " جمعه " للآثار الفلسطينية وسرقته لها.
ولا زال هناك جنرالات وقادة صهاينة يقومون بمهمة التنقيب وسرقة آثار الشعب الفلسطيني، من أجل اختراع تاريخ لهم على أرض فلسطين، مرتكزين بذلك على مرويات العهد القديم، وقد أوضحت الكثير من الكتب والدراسات مدى التناقض بين تلك المرويات، والحقائق التاريخية والآثارية في فلسطين، والدليل على ذلك ما جاء في كتاب: " الانتداب على فلسطين " لفرانسيس نيوتن، الذي يقول: " لم يوجد في فلسطين نقش واحد يمكن أن ينسب إلى المملكة العبرية، لقد فشلت اليهودية في أن تقدم أي أثر لداود أو سليمان، أو أي نقش أو حجر أو حتى نصب تذكاري، ولهذا فإن قضيتهم تفتقر إلى دليل مادي مسجل على غرار الأمثلة التي توجد لحياة شعوب غرب آسيا ".
لا وجود لليهود في فلسطين
وهذا ما أكده المؤرخين، والآثاريين الذين أجروا تنقيبات أثرية، تحت أساسات المسجد الأقصى بحثاً عن الهيكل المزعوم، فقد أثبتت تنقيباتهم، ودراساتهم، عدم تطابق مرويات العهد القديم مع تاريخ فلسطين، ولم يعثروا على أي أدلة أثرية تؤكد وجود يهودي بها، وهذا ما أكدته الآثارية البريطانية كاثلين كينون، والمؤرخ الأمريكي توماس تومسون، لكن أهمهم الآثاري الصهيوني زئيف هيرتزوج، وهو رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب، حيث أثبت من خلال أبحاثه وحفرياته التي استمرت ثلاثين عاماً أنه لا يوجد في طول فلسطين وعرضها دليل أثري واحد يثبت المزاعم اليهودية، وختم نتائج أبحاثه بعبارة: " مع الأسف لا وجود لنا في فلسطين ".
ورغم ذلك لا يزال الصهاينة يصرون على المكابرة وتزوير التاريخ، فقد أعلن الحزب القومي الديني الصهيوني في الثاني عشر من يناير / كانون الثاني عام 2003 م عن اكتشاف لوحة حجرية بالقرب من الحرم الشريف، سجل عليها نقش بالخط الفينيقي أدّعى الصهاينة أنه يرجع إلى عام 2800 ق.م، وأطلقوا عليه اسم ( نص يشوع )، وزعموا أنه يشير إلى ترميم معبد أورشليم، لكن لجنة من خبراء إدارة الآثار في الكيان الصهيوني أقرت بأن اللوحة مزيفة، لأن النقش يحتوي على أخطاء لغوية واضحة، وتوجد به أحرف لا تتطابق طريقة كتابتها مع الفترة التاريخية المفترضة مما يؤكد أنها مزيفة حديثاً وليس لها أي قيمة تاريخية.
لم تتوقف سرقة " موشي دايان " وجنرالات الصهاينة عند الآثار الفلسطينية، بل قاموا بسرقات منظمة في سيناء أثناء احتلالها، والنتيجة تمثلت في استنزاف آثار سيناء لدرجة أن ما استردته مصر من الصهاينة، في منتصف التسعينيات، تم تعبئته في 1080 صندوق! ورغم هذا يؤكد مسئولون أثريون مصريون، أن ما تم استرداده هو ما كان مسجلا فقط، أما ما لم يكن موثقاً في سجلات المجلس الأعلى، وحصل عليه الإسرائيليون عن طريق التنقيب.. فلا أحد يعلم عنه شيئاً.
ولم تتوقف السرقة عند الآثار الفلسطينية والمصرية، بل وصلت إلى أراضي الجولان السورية، ففي تقرير صادر عن وزارة الثقافة السورية أن المواقع الأثرية والتاريخية والحضارية القديمة في الجولان السوري المغتصب، تعرضت لعمليات نهب وتدمير منظمة وواسعة من قبل السلطات الإسرائيلية، فقد بادر الصهاينة إلى سرقة الكنوز والمواقع الأثرية المهمة في مدينة بانياس والحمة وفيق والعال ورجم فيق وخفين، واستخدموا الآلات الثقيلة في جرف معظم المواقع الأثرية، الأمر الذي عرضها للتلف والتدمير دون وازع علمي أو حضاري، وأكد التقرير أن الصهاينة أقدموا على سرقة آثار الجولان منذ العام 1967 خاصة تلك الآثار التي كانت موجودة في مدينة القنيطرة المحررة، حيث أقدمت على سرقة وتفكيك الموجودات الأثرية في المباني القديمة والحديثة ونهب محتوياتها.. حتى أن جنود الاحتلال سرقوا القطع الرخامية من الجوامع والكنائس.
واتهم التقرير سلطات الاحتلال بتدمير مدينة الرقيد ذات المباني التاريخية التي تعود إلى العصرين الروماني والبيزنطي والعصور الوسطى، مشيراً إلى قيام الصهاينة بسرقة أرضية كنيسة من العصر البيزنطي، ذات تركيبة فسيفسائية، وأيضاً تدمير قلعة في الجولان يعود تاريخها إلى 1106 م، وكشف التقرير أن الاحتلال، يقوم حالياً بسرقة المواقع والكنوز الأثرية القديمة الموجودة في سفوح جبل الشيخ، ورصد التقرير قيام الخبراء الصهاينة بالتسلل إلى المغارات الموجودة في المنطقة، بحثاً عن الكنوز الأثرية النادرة.
أمريكا تقترف جريمة العصر
وسرقة الآثار لم تتوقف مع انتهاء القرن العشرين فقد جاء الاحتلال الأمريكي في العام 2003 م، ليشرف على اقتحام وسرقة وتدمير المتحف العراقي، الذي جمعت تحفه على مدى قرنين من الزمان، وهنا يواصل رعاة البقر مهمة من سبقوهم من الاستعماريين في طمس الهوية الحضارية للإنسان العربي من خلال سرقة آثار وكنوز العراق.. وهذه الجريمة تضاف إلى سجل الغزاة الجدد بحق أقدم الحضارات البشرية للتراث الإنساني.
بعد كل هذا.. هل يمكن أن تعود آثار بلادنا التي تسربت بطرق مختلفة في غياب الوعي بالتاريخ القومي من جهة ونمو الفقر والضعف السياسي من جهة أخرى، إلى متاحفنا؟ وهل من سبيل اليوم لاستعادة ما فقدناه؟
الإجابة تحتاج في الحقيقة إلى طرفين: نحن وهم، أما نحن فلا نملك أن نعيد آثارنا إلا بطريقتين، وأحلاهما مر: التفاهم والتفاوض، أو تطبيق مقولة الراحل جمال عبد الناصر: " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ".
ولكن المشكلة التي تواجه هذه الأمة من المحيط إلى الخليج، أن مقولة عبد الناصر لم تعد مجدية ولا مقبولة، لأننا سنتهم بالتحريض على الإرهاب، وبالتالي ستطبق قرارات الشرعية الدولية بحقنا.. ولا يبقى أمامنا إلا الطريقة الأولى، وبما أننا مسلوبي الإرادة وضعفاء ونقدم دائماً فروض الطاعة.. فلا نملك سوى أن نرفع شكوانا.. والبقية معروفة في الأولى والثانية.
وليس معنى هذا أن إعادة الآثار عملية مستحيلة، فهناك سابقة ايجابية، فقد أعادت بريطانيا في بداية الثمانينات جواهر تاج ملك بورما، كما أعادت ذقن أبي الهول، وأعادت الدنمارك ومن تلقائها، أجزاء من تمثال أسد آرامي بازلتي، تم وضعه في متحف حماة بسوريا..
وتم استعادة شباك الأنصاري، وهو شباك حديدي من العصر الأيوبي ذو زخارف في غاية من الجمال والروعة، قام بسرقته أحد الضباط الفرنسيين، كما تم إعادة العديد من الآثار السورية المهربة بطرق غير شرعية إلى الخارج، مثل القطع التي صودرت في ألمانيا، وخمس لوحات فسيفسائية صودرت في كندا وأمريكا وأعيدت تلك القطع كاملة، عبر الطرق الدبلوماسية..
إن أبواب إعادة الآثار لم تفقد مفاتيحها، والطرق على الأبواب عملية مشروعة، ولا بأس من محاولتها. وكما يقول المثل: " الطلق اللي ما بصيب بدوش ".
لكن قبل أن نختم نشير بأن الآثار العربية بحاجة إلى وجود قوانين وتشريعات عربية موحدة تكون قوية وضابطة وناظمة للحفاظ على الآثار الوطنية، على أن تتواكب تلك القوانين مع التطور العلمي والاجتماعي والثقافي والفكري الذي تعيشه الأمة العربية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار قبل إقرار القوانين والتشريعات:
متى يتحرك الوزراء العرب، كما تحركت وزيرة الثقافة اليونانية المناضلة ميلينا مركوري في مؤتمر اليونسكو الذي عقد في شهر آب 1982م، وكان من بين قراراته بأن تعيد بريطانيا كنوز اليونان، حيث ذهبت الوزيرة بعد ذلك إلى لندن، ليس بحثاً عن ساعات الراحة والتسلية والترفيه والتسوق.. أو لشراء الأحذية والذهب وفساتين السهرة، وإنما في محاولة لتأكيد مطلبها بإعادة واجهة الأكرو بوليس الشهير في أثينا، وأعلنت في الصحف والراديو والتلفاز في لندن عن شرعية المطلب وإصرارها علية.
فمتى يسافر وزراء الثقافة العرب إلى عواصم العالم المختلفة ليعيدوا إلى أوطانهم تلك الآثار الثمينة المسروقة من بلادنا، والموجودة في متاحف أوروبا وأمريكا؟
ومتى يضغط وزراء الثقافة العرب على منظمة اليونسكو لتضغط بدورها على " إسرائيل " لوقف خرقها للاتفاقيات الثقافية الدولية التي تحظر التنقيب في الأراضي المحتلة، من قبل المحتلين، وتضمن حقوق أصحابها.