إنَّ أخطر ما تمر به الشعوب أن تقاد من غيرها لا أن تتبوأ قيادة نفسها، فالتبعية خنوع وذل وقهر وعار. وللقيادة الذاتية وللارتقاء لا بد من بناء الفكر الثقافي، فهو الأداة التي ترتقي بها الشعوب وتعلو. والفرق بين المعرفة والثقافة شاسع جدا، وشتان الفرق، فكم من خريج جاهل غير مثقف، وكم من مثقف علمته دروس الحياة وأمثالها!
فارتقاءُ أمتنا العربية لن يحصلَ إلا بالثقافة. يُحزنك أحياناً أنك تسألُ عن مكان أو موقع قريب ذو أهمية تاريخية أو ثقافية أو معلماً هاماً يفترض أن يكون معروفا، ولا تنال الجواب من شخص أقل ما يكون أن يعرف ببيئته ومنطقته التي يقيم فيها أو يقطن فيها.
الثقافة تتأنى من الفكر المستنير الذي يواكب العصر وتطوراته، ويتفاعل مع حب القراءة والمطالعة المستمرة والمتأنية التي تغذي العقل بالفكر وتبني لدية ثقافة واسعة مطلعة على جواب الحياة وتحدياتها، فتشكل جسراً لعبور مصاعب الحياة ومواجهة الازمات والتحديات.
أتساءل، ما فعل جائحة كورونا علينا من ناحية ثقافتنا؟ هل ضربت جائحة كوررونا خلايا عقولينا وصغّرت حجم تفكيرنا وأهبطت ثقافتنا، أم أن هذه الأزمة قد نمّت فينا وعمّقت فكرنا وثقافتنا؟ جميل أن نتعلم ونمارس عادات جديدة وأموراً لم نتعود عليها من قبل، ولكن لا يجب أن نجعل هذه الفترة تمر دون أن نعيد تموضع أنفسنا وارتقائنا بالفكر والثقافة، فكما جاء بالكتاب المقدس " هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو 6:4)
فأجمل اللقاءات المفيدة هي اللقاءات التي يتخللها تثاقفاً وتبادلا للمعرفة والفكر. فهذا عنوان المجتمعات الراقية، وسبيل خلاص الشعوب من ذلها وجهلها وفقرها.
ليكن عنوان المرحلة الحالي بناء قدراتنا الذاتية المعرفية والفكرية والثقافية. فوطننا أخطر ما يكون عليه جهل مواطنيه، ويعلوا ويناطح السحاب بفكر وثقافة أهله.
"فكما أنه ليس بالخبر يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله"، كذلك فليست الأوطان تحيا بالكمية بل بالنوعية، وما أكثرهم في بلدنا!
مسؤوليتنا الثقافية أن نبني جيلا عاشقا محباً للحياة والجمال والحرية والعدالة والرحمة بفعل ثقافة المعرفة لا الجهل. ليكن شعارنا أن نُخرّج علماء مثقفين.