رغم أن الكثير من الأصوات الإذاعية تلاشت بمرور الزمن، فإن اسم الإعلامي حكمت زريقات لا يزال حاضرًا في ذاكرة من عاصروا البدايات الذهبية للإذاعة الأردنية، وفي قلوب المستمعين الذين أحبّوا صوته، وهدوءَ نبرته، وعمق المضمون الذي حملته برامجه. إنه من أولئك الذين لا يكتفون بالوقوف خلف الميكروفون، بل يجعلون من الإذاعة منبرًا للمعرفة، والتأمل، والتربية على الذوق والكلمة الطيبة.
ولد حكمت زريقات في الأردن، ونشأ في بيئة تقدّر الكلمة وتُعلي من شأن الثقافة. منذ بداياته، كان ميّالًا إلى اللغة العربية، والقراءة، وفن الإلقاء، وهي سمات أهلته لاحقًا لدخول عالم الإذاعة من أوسع أبوابه. التحق بالإذاعة الأردنية موظفًا، ثم أصبح أحد أبرز الأصوات فيها، خصوصًا ضمن طاقم إذاعة القرآن الكريم التي انطلقت لتقدم محتوى دينيًا وثقافيًا يعزز القيم والمعرفة الدينية المعتدلة.
في الإذاعة الأردنية، تميز حكمت زريقات ببرامج روحية وثقافية تركت أثرًا كبيرًا، منها:
"آية ومعنى": برنامج يومي قصير يقدّم تفسيرًا مبسطًا ومفهومًا لآية من القرآن الكريم، بأسلوب يخاطب القلب والعقل.
"في رحاب القرآن": برنامج أسبوعي يتناول موضوعات قرآنية متنوعة ويستضيف علماء دين ومفكرين، ركّز على إيصال رسالة الإسلام في بعدها الأخلاقي والإنساني.
"نفحات": فقرات صباحية ذات طابع تأملي ديني، تتخللها خواطر قصيرة عن السلوك والقيم.
عرفه جمهور المستمعين من خلال صوته المتّزن، الذي يخلو من الانفعال الزائد، وينقل المعنى بهدوء وثقة. لم يكن مجرد قارئ نصوص، بل مؤلفًا لمحتوى إذاعي يجمع بين التبصّر الديني والإلمام الثقافي.
انتقل لاحقًا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث التحق بإحدى المؤسسات الإعلامية الرسمية هناك، مواصلًا عطاؤه في المجال الإذاعي. في الإمارات، استمر زريقات في تقديم برامج دينية وتثقيفية لاقت استحسان الجمهور، منها:
"سيرة ومسيرة": برنامج توثيقي عن حياة الصحابة والتابعين، اتسم بالإعداد الدقيق والسرد الحكائي الجاذب.
"همسات روحية": برنامج قصير كان يُبث قبيل أذان المغرب خلال رمضان، ويحتوي على أدعية وتأملات وجدانية.
"فقه الحياة": برنامج تثقيفي يناقش قضايا فقهية يومية بطريقة مبسطة.
تميز أسلوب زريقات في الإمارات بالجمع بين الأصالة والحداثة، فكان يحترم الذائقة الدينية للجمهور مع الانفتاح على التغيرات المجتمعية، مُستخدمًا لغة عربية فصيحة قريبة من الفهم العام.
لا يُمكن الحديث عن حكمت زريقات دون الإشارة إلى أثره في تشكيل ذائقة جيل كامل من المستمعين، الذين تربّوا على برامجه الصوتية الهادفة. لم يكن صاحب شهرة صاخبة، لكنّه رسّخ مكانته كإعلامي مثقف، يختار كلماته بدقة، ويؤمن برسالة الإعلام النظيف.
كما عُرف بتعاونه الوثيق مع مخرجي البرامج والمعدين، وكان حريصًا على أن تكون الحلقة الإذاعية متكاملة من حيث النص والموسيقى والأداء. وقد أُشيد به في مؤتمرات إعلامية في الأردن والخليج كواحد من الأصوات التي خدمت الإعلام الهادف بعيدًا عن الإثارة أو الشعبوية.
حكمت زريقات ذاكرة صوتية وثقافية تشهد على مرحلة مهمة من تطور الإعلام العربي. جمع بين التأصيل والمعاصرة، وبين الانتماء الوطني والانفتاح العربي. ورغم أنه ربما لا يُعرف جماهيريًا كما يعرف مشاهير الشاشة، إلا أن أثره أعمق، لأنه دخل كل بيت عبر الأثير، وترك وراءه إرثًا من البرامج التي لا تزال تُذكر وتُعاد.