من مضارب بني صخر، حيث تفوح الأصالة كما يفوح عبق البن من دلال الكرم، خرج اسم فارسٍ لم تنصفه كتب التاريخ كما يليق بمقامه .. فارسٌ مغوار، شيخٌ كريم، إذا سمع العربان باسمه هبّوا له مجداً وكرامةً وشموخاً ..
وإن كان كليب بن ربيعة لا يلتفت إلا لأربعين فارساً، فإن الفارس خضر الوطيفي المحارب كان يدخل وحده بين مئةٍ من الفرسان، لا يهاب، لا يتردد، يقاتل وكأن الملائكة تحف به. لم يكن وحيداً في معركته، فقد كان بجانبه ابن عمّه طه، يقاتل ويصدّ، ويردد أبياته بصوتٍ يعلو فوق صليل السيوف . ..
يا راكبٍ فوق المنيّه سريـع... والخيل تشهد والمواقف شهود..
خضرٍ وطه درعهم ما يضيع ... لو صار جمع القوم ميةٍ وزيود..
نرخص الأرواح يوم الرفيع ... ونرد حقٍ للوجيه و الجدود..
لم يكن سيفه وحده شاهداً على بطولته، بل مواقفه في السلم والكرم كذلك. في يومٍ من الأيام، مرّ بخيام قليلة في سهل أم الحيران، بيوت شعرٍ لا تتعدى أصابع اليد. سألهم ؛ ممَّ تعيشون؟ ومن أين قوتكم؟ فأجابوه: "الله الذي يرزق الطير يرزقنا." فما كان منه إلا أن التفت إلى عضيده وخويه طراد بن زبن، وقررا ان يقسم لهم مما رزقهم الله، فكان عطاؤه منارةً تضيء للناس معاني الجود...
ولم يكن يعرف الدرع الحديد، بل كان يكتفي بردن ثوبه درعاً يصدّ عنه، في إيمانٍ راسخٍ بنفسه وشجاعته.
ذاك هو الفارس الذي غاب اسمه عن صفحات المؤرخين، لكنه بقي خالداً في صدور الرجال، يُروى عنه المجد كما يُروى عن أساطير البادية.
وهكذا يبقى ذكر الشيخ خضر الوطيفي المحارب شاهدًا أن البطولة ليست سيفًا فحسب، ولا كرمًا عابرًا، بل هي مزيجٌ من شجاعةٍ تعانق السيوف، وكرمٍ، ومروءةٍ لا تعرف التردد.
لقد مرّت الأيام، وتعاقبت الأجيال، لكن سيرته بقيت حيّة، تُروى في مجالس العربان كما تُروى أعذب القصائد، ويُذكر اسمه مع الرجال الكبار الذين لم تزدهم المعارك إلا علوًا، ولم تزده المواقف إلا شرفًا.
إنه الفارس الذي قاتل بردن ثوبه درعًا، وأطعم الجائع من دون سؤال، وأثبت أن الرجولة لا تحتاج إلى شاهد، فهي تكتب نفسها في ضمائر الرجال، وتُخلّدها الألسن على مرّ الزمان.
فسلامٌ على خضر الوطيفي المحارب ، شيخ الكرامة وبطل السيوف، وسلامٌ على من حملوا اسمه وأحيوا ذكراه، ليبقى عَلَمًا خفاقًا بين مضارب بني صخر، ما دامت الريح تهبّ على بيوت الشعر وما دامت الخيل تُسرَج للكرامة...