حين نتصفح تاريخ الإعلام المرئي في الأردن، لا بد أن نتوقف عند أسماء صنعت البداية ورسمت الطريق للأجيال اللاحقة. ومن بين هذه الأسماء يبرز اسم الإعلامية عايدة بسيسو، التي كانت أول من ظهر على شاشة التلفزيون الأردني خلال مرحلة البث التجريبي عام 1968، لتصبح جزءًا أصيلاً من ذاكرة البدايات ومن رموز الريادة النسائية في الإعلام الأردني.
ورغم أن تفاصيل دقيقة عن سنة ومكان ميلادها لا تتوفر في المصادر المفتوحة، إلا أنّ ما يمكن تأكيده أن عايدة بسيسو كانت من جيل متعلم ومنفتح على الثقافة والمعرفة، إذ عملت معلمة للغة الإنجليزية في الكلية العلمية الإسلامية في عمّان خلال ستينيات القرن الماضي، قبل أن يشدها الإعلام التلفزيوني الوليد إلى عالم الأضواء. وقد ارتبط اسمها أيضًا بأسرتها العريقة في عمان، فهي زوجة الصيدلاني المعروف فاروق صالح بسيسو، الذي ارتبط بدوره بعلاقات أسرية مع شخصيات بارزة في الأردن.
انطلق البث الرسمي للتلفزيون الأردني في نيسان 1968، بعد مرحلة تجريبية سبقت الإعلان الرسمي. وخلال هذه المرحلة، كان لعايدة بسيسو شرف أن تكون أول مذيعة تطل على الشاشة في بث تجريبي. وقدمت فقرة قصيرة مبتكرة في وقتها، اعتمدت على شاشة شفافة وجهاز عرض وصورة لمدينة جرش، حيث شرحت للمشاهدين كيف كانت الحياة في المدينة أيام الرومان. كان هذا الظهور بمثابة إعلان غير مباشر أن التلفزيون في الأردن بدأ يخطو خطواته الأولى.
ومع الانطلاق الرسمي، استمرت بسيسو ضمن الفريق المؤسس، وظهرت إلى جانب مذيعات أخريات مثل ميسون عويس، نهى بطشون، سهى طوقان وهند السمان، ليشكّلن مجتمعات النواة الأولى للإعلام المرئي في الأردن. وقد عُرف عن عايدة بسيسو أنها من المذيعات اللواتي قدمن فقرات "الاستمرارية” على الشاشة، مثل الإعلان عن بداية البث اليومي وقراءة جدول برامج اليوم، وهو ما كان يشكّل الطابع العام للتلفزيون في تلك المرحلة.
مع ما كانت تتمتع به عايدة بسيسو من خلفية أكاديمية في تدريس اللغة الإنجليزية، فقد كُلّفت مع انطلاق البث الرسمي عام 1968 بقراءة نشرة الأخبار باللغة الإنجليزية إلى جانب نخبة من الإعلاميين الرواد مثل سمير مطاوع، عقل بلتاجي، غادة حدادين ومنيب طوقان. وقد جاءت فكرة هذه النشرة لتكون موجهة في الأساس إلى البعثات الدبلوماسية والوافدين الأجانب في الأردن، إضافة إلى الجمهور في بعض الدول التي كان يصلها بث التلفزيون الأردني. وبهذه الخطوة المبكرة، جسّد التلفزيون الأردني ريادته على المستوى العربي في تقديم خدمة إخبارية بالإنجليزية منذ بداياته الأولى، بما يعكس رؤيته للانفتاح والتواصل مع العالم
لم تكن المرحلة الأولى غنية بالبرامج المنوعة كما هي الحال اليوم، بل كان التركيز على التجربة التقنية وفتح نافذة جديدة للمشاهد الأردني. لذلك لم يُسجّل لعايدة بسيسو تقديم برامج حوارية أو ترفيهية طويلة، لكن مساهمتها جاءت في الظهور الأول، وفي التعريف بالمحتوى، وفي إضفاء لمسة من الرصانة والجدية على الشاشة. يكفي أنها كانت أول وجه نسائي أردني يدخل كل بيت عبر البث التجريبي، وهو حدث يحمل قيمة رمزية كبيرة.
ترمز عايدة بسيسو إلى جيل الرواد الذين حملوا مسؤولية الانطلاقة، ووقفوا أمام الكاميرا في زمن لم يكن فيه التلفزيون مألوفًا في الأردن. ولعل ظهورها كأول مذيعة في المرحلة التجريبية هو بمثابة شاهد حي على أن المرأة الأردنية كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى في صناعة الإعلام المرئي. وعلى الرغم من قلة المعلومات التفصيلية عن برامجها أو مراحل لاحقة من حياتها المهنية، إلا أن مجرد ذكر اسمها في سجلات البدايات يضعها في موقع بارز بين رواد الإعلام الأردني.
إن الحديث عن الإعلامية عايدة بسيسو ليس مجرد استذكار لشخصية إعلامية، بل هو توثيق لمرحلة تأسيسية في الإعلام الأردني. فقد جمعت بين شخصية المربية المثقفة والإعلامية الرائدة، وارتبط اسمها بالبث التجريبي الأول للتلفزيون الأردني عام 1968. ورغم ندرة التفاصيل عن مسيرتها اللاحقة، إلا أن أثرها الرمزي لا يزال حاضرًا كواحدة من النساء اللواتي حملن لواء الريادة الإعلامية في الأردن، وأسهمن في بناء ذاكرة وطنية بصرية ما زالت تتوارثها الأجيال.