بركة العرايس تعود إلى الحياة بعد جفاف صادم
نيروز – محمد محسن عبيدات
في عمق الشمال الأردني، وتحديدا على تخوم
التلال الخضراء في لواء بني كنانة بمحافظة إربد، تستيقظ من جديد بركة العرايس، بعد
أشهر من الغياب القسري الذي حوّلها من جوهرة طبيعية نادرة إلى قاعٍ موحشٍ يفتقد الحياة.
البركة التي يقدَّر عمرها الجيولوجي بنحو
18 ألف عام، تعتبر من أندر المعالم البيئية في المملكة الأردنية الهاشمية، وظلت لسنوات
طويلة وجهةً للباحثين البيئيين، والمصورين، وعشاق الحياة البرية، لما تمتاز به من تنوّع
بيولوجي فريد يضم أنواعا مهددة بالانقراض من الكائنات الحية.
لكن، وفي مشهد شكل صدمةً للسكان المحليين
والنشطاء البيئيين، جفت البركة بالكامل في شهر حزيران الماضي، نتيجة التغيرات المناخية،
وندرة الأمطار، والاستنزاف المستمر للمصادر المائية الجوفية، في مشهد مؤلم أعاد إلى
الأذهان حجم التحديات البيئية التي تواجه الأردن والمنطقة ككل.
استجابة لهذه الكارثة البيئية، تحركت سلطة
وادي الأردن بإجراءات عاجلة لإنقاذ البركة، وبدأت بضخ المياه من بئر ارتوازي قريب يبعد
نحو كيلومتر واحد، عبر قناة ترابية طبيعية، بمعدل تدفق يبلغ 30 لترًا في الثانية، وعلى
مدار الساعة.
إن ما جرى في بركة العرايس ليس مجرد تدخل
تقني لردم جفاف عابر، بل هو نموذج حيّ على أن الإرادة المؤسسية، حين تقترن بالوعي البيئي
والمبادرة المحلية، يمكن أن تُحدث فرقا حقيقيا في إنقاذ ما تبقى من ثرواتنا الطبيعية.
عودة الحياة إلى بركة العرايس يجب أن تكون
بداية لمرحلة جديدة من الوعي البيئي، تُعنى بحماية البرك الطبيعية، والحفاظ على التنوع
الحيوي، وتشجيع البحث العلمي، والسياحة البيئية المسؤولة.
ويُعدّ هذا الإنجاز، رسالة واضحة مفادها أن
لكل قطرة ماء، ولكل شجرة، ولكل كائن حي على أرض الوطن ، حقٌّ في الحياة والحماية، وأن
الاستدامة لم تعد خيارا، بل ضرورة وجودية في مواجهة التصحر والتغير المناخي.
بركة العرايس تعود إلى الحياة والعبرة ليست
فقط في إنقاذها، بل في الإصرار على أن تبقى نابضة بالحياة، شاهدة على جمال الأردن وثرائه
البيئي لعشرات آلاف السنين القادمة.