يُعد عز الدين المناصرة من أهم رموز الشعر العربي المعاصر، ومن أبرز الأصوات الفلسطينية التي جمعت بين البندقية والقلم، وبين الخطاب الشعري والثقافي. هو محمد عز الدين المناصرة، ولد في 11 نيسان 1946 في بلدة بني نعيم بمحافظة الخليل في فلسطين، وتوفي في عمان يوم 5 نيسان 2021 متأثراً بمضاعفات فيروس كورونا.
نشأ المناصرة في فلسطين، وتشكل وعيه في بيئة مشحونة بالنضال الوطني، ما انعكس لاحقاً في مجمل أعماله الشعرية والفكرية. التحق بجامعة القاهرة، حيث نال إجازة في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1968، ثم أكمل دراساته العليا في النقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة صوفيا، لينال الدكتوراه عام 1981.
عمل المناصرة مديراً للبرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية بين عامي 1970 و1973، خلال عمله في الإذاعة الأردنية ، قدم برامج ثقافية شكلت علامة فارقة في المشهد الإعلامي العربي، منها برنامج "أوراق ثقافية" الذي تناول قضايا الفكر والأدب والفن، وبرنامج "أصوات من الشعر العربي" الذي سلط الضوء على تجارب شعرية عربية قديمة وحديثة، حيث كان يستضيف فيه شعراء ونقاد لمناقشة الشعر العربي وقراءته بأسلوب نقدي. كما قدم برنامج "في رحاب الثقافة" الذي تناول حوارات مع أدباء ومثقفين حول قضايا ثقافية معاصرة، وبرنامج "لوحات تشكيلية" الذي سلط الضوء على الفن التشكيلي العربي والعالمي، مستضيفاً فنانين ونقاداً. امتازت برامجه بدمج القراءة الأدبية بالموسيقى والمداخلات النقدية، ما أكسبه حضوراً لافتاً ورسخ مكانته كأحد أبرز الإعلاميين الثقافيين في تلك الفترة.
كما أسهم في تأسيس رابطة الكتاب الأردنيين، كما شغل مناصب أكاديمية في الجزائر، الأردن، وفلسطين. في جامعة فيلادلفيا الأردنية، تقلد رتبة أستاذ منذ عام 2005. كان صاحب مشروع ثقافي نقدي مميز، جمع فيه بين المعرفة العميقة بالأدب والنقد وبين التزامه الوطني.
المناصرة شاعر المقاومة بامتياز، فهو من أوائل الشعراء الذين رفعوا راية المقاومة الثقافية إلى جانب المقاومة المسلحة. انخرط في العمل الفدائي بعد نكسة 1967، وتلقى تدريباً عسكرياً في القاهرة، وشارك في الدفاع عن بيروت أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. كان عضواً في القيادة العسكرية المشتركة الفلسطينية-اللبنانية في الجنوب.
من أشهر دواوينه الشعرية: "يا عنب الخليل" (1968)، "جفرا" (1981)، "بالأخضر كفنّاه"، و"كان لي حلمٌ أخضر". حملت قصائده روح الأرض الفلسطينية، وامتزجت فيها رموز التراث الكنعاني مع موسيقى اللغة العربية، ليخلق بذلك شعراً حضارياً فريداً.
لم يقتصر عطاؤه على الشعر، بل أثرى الساحة النقدية العربية بأكثر من 25 كتاباً في النقد الأدبي والفكر، منها: "المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة"، و"نظرية الشعر الحديث"، و"الهويات السردية". أسس لمفهوم "القصيدة الحضارية الكنعانية"، ورفض قصيدة النثر معتبراً إياها حالة خنثى في الشعر العربي، ما أثار الكثير من الجدل الأدبي.
حاز عز الدين المناصرة عدة جوائز مهمة، من بينها جائزة الدولة التقديرية الأردنية في الشعر عام 1995، وجائزة القدس عام 2011، ووسام القدس من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 1993. نال كذلك تقدير الهيئات الثقافية الفلسطينية والعربية لدوره الريادي.
كان المناصرة معروفاً بمواقفه النقدية الجريئة، وخاصة ضد اتفاقية أوسلو والسلطة الفلسطينية، إذ كان يرى أن هذه الاتفاقيات تنتقص من الحق الفلسطيني. قال يوماً: "ولدت معارضاً، وسأبقى معارضاً حتى النهاية". بقي طوال حياته مخلصاً لفكرة التحرير الكامل ورافضاً لأي مساومة.
ترك عز الدين المناصرة إرثاً شعرياً وفكرياً غنياً، يجمع بين الشعر والمقاومة والنقد الأكاديمي. شكلت كتاباته مصدر إلهام للأجيال الجديدة من الشعراء والباحثين، وكان صوتاً حراً مدافعاً عن فلسطين والعروبة والحرية.
برحيله، فقدت الثقافة العربية رمزاً استثنائياً، وظل صدى قصائده يرن في وجدان الشعوب التي ما زالت تنشد الحرية والكرامة.