في سجل الرجولة والشرف، هناك أسماء لا تُنسى.. أسماء نُقشت في ذاكرة الوطن بحروف المجد، وواحدٌ من هؤلاء العمالقة هو المشير الركن فتحي محمد أبو طالب، القائد العام الأسبق للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، ورمزٌ من رموز الفكر العسكري العميق والانتماء الصادق لتراب الوطن.
وُلد أبو طالب عام 1933 في وادي السير – عمان، وترعرع على قيم الانضباط والوطنية، ليتخرج من الكلية العسكرية الملكية عام 1954، وينطلق في مسيرة عسكرية حافلة، صعد خلالها من قائد فصيل حتى أصبح رئيساً لهيئة الأركان المشتركة بتاريخ 19ـ12ـ1988، خلفًا للأمير زيد بن شاكر.
حصل على بكالوريوس في العلوم العسكرية من الهند، ونال درجتي ماجستير من جامعة مؤتة ومن بريطانيا، ليجمع بين الميدان والعلم، وليكون من القلائل الذين جمعوا بين قوة القرار ورحابة الفكر، فكان قائداً يُحسب له ألف حساب، ومرجعاً في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات.
بين جبهات القتال ومراكز القرار، تقلد أبو طالب أرفع المناصب: من ضابط ركن، إلى مساعد للملحق العسكري في لندن، ثم ملحق دفاعي في واشنطن، ثم مديرًا للاستخبارات العسكرية، وقائدًا للفرقة الخامسة، فمساعدًا لرئيس الأركان للاستخبارات، حتى تولى قيادة الجيش الأردني بأمانة وحكمة.
بعد تقاعده من الخدمة العسكرية، واصل عطاؤه في مجلس الأعيان، في دورتين متتاليتين، وكان كما عرفه الوطن دومًا: حارسًا للقيم، وصوتًا للعقل، ورمزًا للهيبة.
نال المشير أبو طالب أوسمة الاستقلال والكوكب والنهضة من الدرجة الأولى، إضافة إلى أوسمة دولية، تقديرًا لإنجازاته وعطاءه العسكري النادر.
توفي في يوم الخميس، الثالث من تشرين الثاني عام 2016، لكن روحه ما زالت حاضرة في ضمير الوطن.. في كل جندي يدافع عن ثرى الأردن، في كل ضابط ينهل من مدرسته، وفي كل راية ترفرف فوق جبالنا وحدودنا.
نكتب عن فتحي أبو طالب، لأنه ليس مجرد اسم في كتب التاريخ، بل قصة انتماء وولاء وفداء. نكتب عنه ليعرف أبناؤنا كيف تُصنع القامات، وكيف يُبنى وطن على أكتاف العظماء. نكتب عنه ليبقى فينا النور مشتعلاً، والذاكرة حيّة، والعهد باقٍ للأردن وقيادته الهاشمية.
رحم الله المشير الركن فتحي أبو طالب.. فقد عاش فارسًا ومات شامخًا، لكنه لم يغب أبدًا عن صفحات المجد، لأن القادة العظام لا يموتون.. بل يخلدهم الوطن.