فإن الحديث عن الثورة العربية الكبرى التي اندلعت في العاشر من حزيران سنة 1334 هـ / 1916 م، هو حديث في غاية الأهمية، لما كانت تلك الثورة المباركة من مفصل تاريخي فارق في مسيرة الأمة العربية، إذ مثلت نقطة انطلاق للنهضة العربية التي طال انتظارها، وجاءت بفضل الله ثم بفضل رجالها الأبطال الذين أحيوا في نفوس العرب روح العزة والكرامة.
وفي طليعة هؤلاء الأبطال يبرز الشريف حسين بن علي الهاشمي، الذي أخذ على عاتقه حمل راية الحرية والكرامة، ورفع لواء التوحيد في وجه قوى الاستعمار، رافعاً شعار: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فكان بحق قائد الأمة المفدى وهاشم شريف مكة الشريف، الذي حظي بمكانة سامية بين العرب، ولقبه التاريخ بإمام العرب وراعي حريتهم وكرامتهم.
إن الثورة العربية الكبرى، التي امتدت ألسنة نيراناتها من مكة المكرمة حتى دمشق الشام، قد أوجدت حركة تحرر عربي شاملة، مزجت بين الأصالة والتجديد، وأخرجت العرب من ذل الاستعمار إلى عز الاستقلال، وفتحت أمامهم أبواب بناء دولتهم العربية المستقلة، مستمدة شرعيتها من تاريخهم المجيد وحضارتهم العريقة.
وقد كان لهذه الثورة الأثر الجلي في نهضة الأردن الذي صار منارة للحرية والكرامة، فتحت تحت قيادة جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين رحمه الله، الذي سار على درب أبيه الشريف حسين، وأرسى قواعد الدولة الأردنية الحديثة، محققاً قفزات تنموية في كافة ميادين الحياة، من بناء المؤسسات المدنية والعسكرية، إلى تنشيط الحركة الثقافية والتعليمية والاقتصادية، محافظاً على هوية الأردن العربية والإسلامية، ومؤسساً لمنهج الحكمة السياسية التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة.
وإذا أردنا أن نرى أثر الثورة العربية الكبرى في الأردن اليوم، فلا بد أن نذكر جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، الذي سار على نهج أسلافه، معزّزاً مكانة الأردن إقليمياً ودولياً، ومواصلاً مسيرة البناء والتطوير، التي تشمل شتى مجالات الحياة، من التعليم إلى الصحة، ومن الاقتصاد إلى الثقافة، وصولاً إلى الأمن والاستقرار، معتمداً في ذلك على الإرث الهاشمي العريق والتزامه القوي بقضايا الأمة العربية والإسلامية.
فقد شهد الأردن في عهده – بحمد الله – نهضة حضارية متكاملة، ترجمت رؤى ملكية حكيمة، واعتمدت على بناء الإنسان الأردني وتأهيله ليكون رافداً قوياً في بناء وطنه وأمته، وفي ذلك تجسيدٌ صادق لروح الثورة العربية الكبرى، التي انطلقت بقيادة الشريف حسين، وأضاءت دروب الحرية والكرامة لشعوب العرب كافة.
وفي الختام، فإننا إذ نُجِلُّ هذه الثورة العظيمة، ونتذكر بطولاتها وتضحياتها، فإننا نستلهم من تاريخها المجيد العزم على المضي قدماً في مسيرة النهضة، مستنيرين بهدي الأجداد، مستمدين قوتنا من جذورنا العربية الأصيلة، ومتمسكين بوحدة الأهداف والمبادئ التي قامت عليها هذه الثورة، حتى تظل راية العرب مرفوعة، ودولهم حرة مستقلة، في ظل قيادتنا الهاشمية الحكيمة، حفظها الله ورعاها.