في الخامس والعشرين من أيار، لا نُحصي السنوات بجمود التاريخ، بل نُحصيها بنبض القلوب، بخطو الجبال، بهدير دم الشهداء وهم يَصوغون من أرواحهم عقداً من الحُرّية على جيد الوطن.
هذا ليس عيداً عابراً تتوشّح فيه الجدران بالأعلام، بل هو يومٌ تتوضأ فيه الأرض بدمعة فخر، وتتزيّن به السماء بعبق الذاكرة. هو الاستقلال، لا ككلمة تُلقى على المنابر، بل كقَسمٍ يسري في شرايين الأردنيين، عهداً لا يهرم، ولا يلين.
منذ أن قالت عمان للغاصب: "كفى"، وشمّر الكركيّ عن ساعديه، وسنّ السلطِيّ فكره، وأوقد الطفيلِيّ نار الرفض، ورفع البدويّ في الصحراء سيف الكبرياء... منذها والأردن يكتب تاريخه لا بالحبر، بل بالعرق، بالدم، بالحق.
يا وطناً حمل الاستقلال كأمانة لا كغنيمة، يا مملكةً خُلقت من رحم التحدي، يا صوت الملك المؤسس يصدح فينا حتى اللحظة: "هكذا نكون أسياد قرارنا"... من عمّان إلى إربد، ومن الرمثا إلى معان، ومن السهول إلى الصوان، تكتمل السيمفونية: "نحن الأردن".
ليس الاستقلال ذكرى، بل طَريق. طريق تعبده الأجيال كلّ يوم، حين يعلّم المعلم، ويزرع الفلاح، ويخترع المهندس، ويذود الجندي، ويكتب الشاعر. هو مسيرة لا تتوقف، ورحلة لا تقبل التراجع.
وفي هذا اليوم، لا نكتفي بالاحتفال، بل نُجدّد البيعة، لا بالكلمات، بل بالأفعال. نقف بخشوع أمام العلم، لا لأنه قماشٌ ملوّن، بل لأنه كفنٌ مُهيب لمن ارتقوا لأجله.
فإليك يا أردنّ، يا عنوان الكبرياء، سلامٌ من قلب عاشق، ومن فكرٍ مؤمن، ومن يدٍ تصنع لا تهدم، وتبني لا تساوم. في عيد استقلالك، لا نقول فقط "كل عام وأنت بخير"، بل نقول: كل عام ونحن فيك أكثر وطناً، وأنت فينا أكثر من حياة.