أ.د ابراهيم بظاظو عميد كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة
تعد سياحة السدود واحدة من أجمل أنماط السياحة على المستوى الدولي، لما لها من تأثيرات على استقطاب السياح للتمتع ببانوراما المناظر الطبيعية الجميلة، فالكثير من الدول طورت سدودها من الناحية السياحية، وأصبحت مصدر جذب سياحي يحقق ايرادات للدولة، إلى جانب الاستفادة من السدود في تخزين الماء وتوليد الطاقة الكهربائية، فالقيمة المضافة للسدود عالية إذا ما أحسن التعامل معها والتخطيط الأمثل بها بشكل اقتصادي يسهم في تنمية مستدامة وإنعاش لاقتصاديات المجتمعات المحلية التي تحتضن هذه السدود، وهناك الكثير من قصص النجاح على المستوى الدولي في استثمار سياحة السدود، ولكن المتتبع للوضع في الأردن والتي ينتشر بها العديد من السدود على طول حفرة الإنهدام الممتدة من شمال الأردن إلى جنوبه، يستطيع بوضوح أن يعرف غياب هذا النوع من السياحة من ذهن صانع القرار السياحي الأردني، وحتى غياب هذا النوع من السياحة من كافة استراتيجيات تطوير المنتج السياحي الأردني.
يمتلك الأردن كافة مقومات صناعة سياحة السدود، وعلى رأسها التنوع الجغرافي الفريد في أشكال سطح الأرض، مما يسهم في إيجاد وتطوير هذا النوع من السياحة بشكل قوي وملموس، ولكن السؤال المطروح لماذا لم يتم تطوير هذا النوع من السياحة في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لتنويع المنتج السياحي الأردني، وتطوير المناطق التي تحتضن هذه السدود، وتشغيل الشباب والقضاء على البطالة، على الرغم أن هناك الكثير من السدود المائية في الأردن تم استثمارها في عمق التاريخ، حيث يلاحظ انتشار العديد من الآثار حول السدود التي بناها الرومان والأنباط في الحقب القديمة، وكانت هذه السدود مزارات سياحية ونقاط جذب للتمتع بما وهب الله أراضي المملكة الأردنية الهاشمية من مقومات خلابه.
يعد سد الملك طلال أكبر سدود الأردن، وتبلغ سعته التخزينية 75 مليون مترمكعب، وقد تم إنشاء السد عام ١٩٧٧، ويقع السد في محافظة جرش تحديدًا في منطقة مرتفعات تل الرمان، وهو من أنواع السدود الركامية الصخرية، ويبلغ طول السد مائة وتسعة أمتار كما أنه يشكل خزان كبير من المياه في وادي الزرقاء، حيث يعتبر نهر الزرقاء المصدر المغذي للسد، ويعتبر للنهر منبعين أساسيين يجعلوه متدفق بشكل كبير، المنبع الأول هو مياه الأمطار والجريان السطحي، والمنبع الثاني هو المياه الجوفية، والتي تتدفق من أقصي الشرق.
يتسم سد الملك طلال من حيث الموقع الجغرافي بخصائص مميزة على رأسها تنوع أشكال سطح الأرض التي تجذب السياح للتمتع بالمناظر الطبيعية المتنوعة والفريدة، فمنطقة السد تعتبر لوحة طبيعية أبدع في رسمها الخالق من حيث الجمال والدقة، فالمنطقة تجذب العديد من السياح الأردنيين للتمتع برؤية المعالم الجميلة والطبيعية المنتشرة على طول امتداد انتشار السد، ولكن للأسف وأقولها بمرارة أين خدمات البنية التحتية والفوقية للنهوض بمنتج سياحي في منطقة السد، والتي من الممكن أن تصبح قبلة وبوصلة للسياحة الداخلية وسياحة العائلات في الأردن، ولماذا لا تقوم الجهات المعنية بتشجيع الاستثمارات في منطقة السد على غرار العديد من الدول التي نجحت في هذا على الرغم من عدم امتلاكها نفس مقومات سد الملك طلال، مما يستوجب البدء فورا بوضع استراتيجية واضحة المعالم للنهوض بسياحة السدود في الأردن ككل، ومنطقة سد الملك طلال على وجه الخصوص.
تعد متطلبات الإستثمار السياحي في منطقة سد الملك طلال غير مكلفة مقارنة بأنماط السياحة الأخرى، ولا تحتاج المبالغ الهائلة، فالمطلوب استثمارات من مشاريع صغيرة ومتوسطة تناسب متطلبات السياحة الداخلية والعائلة الأردنية، وكذلك يعد تطوير منطقة سد الملك طلال نقطة جذب للسياحة العربية، والتي تعد صمام أمان للسياحة الأردنية إلى جانب السياحة الداخلية، لذا يحب علينا في الأردن الاستعداد لتطوير سياحتنا لما بعد كورونا، والتي ستعتمد حتماً على السياحة البيئية والنظيفة، ويجب الاعتماد على الذات في سياحتنا الأردنية، وتمكين السياحة الداخلية من خلال تطوير سياحة السدود ومنها منطقة سد الملك طلال، حيث تعد المنطقة لوحة طبيعية تجذب السياح، ومتنفس العائلات الأردنية التي تأتيها للاستمتاع بالأجواء الربيعية خلال عطلة نهاية الأسبوع.
الملاحظ أنه تخلو كافة استراتيجيات تسويق المنتج السياحي الأردني التي تنتهجها هيئة تنشيط السياحة الأردنية، وكذلك استراتيجيات تطوير المنتج السياحي الأردني التي تشرف عليها وزارة السياحة والآثار من تواجد وذكر لسياحة السدود، مما يستوجب على مؤسساتنا التفكير خارج الصندوق والبدء فوراً بإعداد خارطة واضحة المعالم للنهوض بمنطقة سد الملك طلال، وادراج هذا الموقع على خارطة السياحة الأردنية والعربية بالمرحلة الأولى، والسياحة الدولية بالمرحلة الثانية.
بناءاً على ما سبق لا يعد تطوير السياحة في سد الملك طلال ترفاً، وإنما هو ضرورة تنموية مستدامة من خلال تطوير يقوم على أسس علمية تتصف بالديمومة والآمان في تقديم منتج سياحي متطور، واختيار مواقع مميزة بإطلالاتها البانورامية الجميلة على طول مناطق انتشار السد، لذا يجب العمل على وضع منطقة سد الملك طلال ضمن الفرص الاستثمارية السياحية التنموية التي تتبناها الدولة في تشجيع الاستثمار السياحي، وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية التي تراعي الشروط البيئية والصحية وشروط السلامة العامة، ويجب أن يكون هناك مد للجسور والتعاون الوثيق بين سلطة وادي الأردن وهيئة الاستثمار ووزارة السياحة في هذا المجال .