في أزقة عمّان المكتظة بالحياة، وعلى أرصفة المحافظات التي تحمل حكايات العمل والدراسة والبطالة معًا، يسير شباب الأردن وهم يحملون في صدورهم أسئلة كثيرة… من يسمعنا؟ من يصغي حقًا لما نريد؟
إن التواصل مع الشباب لم يعد رفاهية سياسية، بل ضرورة وطنية. الشباب الأردني ليسوا أرقامًا في تعداد سكاني، بل طاقات حقيقية تحتاج إلى مساحات تعبير، وإلى حوار لا يُشبه المؤتمرات النمطية ولا البيانات الرنانة.
فعلتها دول أخرى حيث أنها أخذت بصوت الشباب بطرق استثنائية فنلندا مثلاً من خلال منصة "Otakantaa” التي تتيح للشباب المشاركة المباشرة في صياغة السياسات عبر مقترحات وتقييمات، وكأنهم جزء من مطبخ القرار وكندا أيضاً "Canada Youth Policy” أنشأت "مجلس الشباب الكندي” الذي يعرض رؤى ومشاكل الجيل أمام الوزراء وحتى في الشرق الأوسط بالمغرب تحديدا أطلقت البرلمان الشبابي كفضاء موازٍ لتدريب الشباب على النقاش وصنع القرار و في إستونيا أطلقت مبادرة "Let’s Do It Together” التي جمعت الوزراء بالشباب في حوارات مفتوحة بُثّت مباشرة ، أما عن أردننا لا شك بوجود منصات ومشاريع شبابية لاخراط الشباب ولكنها منصات دون مستمعين و دون أصحاب قرار ، إن الخيوط بين الشباب وأصحاب القرار مقطوعة …
ومن جانب آخر فإن التجارب الشبابية الأردنية موجودة: مراكز شبابية، برامج تطوعية، معسكرات وطنية… لكنها غالبًا ما تعاني من ضعف التشاركية الحقيقية وخطاب فوقي يعامل الشباب كمُتلقين وليس كشركاء.
إن من ال مقترحات منهجية لتعزيز التواصل مع الشباب إنشاء مجالس شبابية تمثيلية و تكون هذه المجالس الشبابية وطنية ومحلية بصلاحيات استشارية ملزمة تلتقي بالوزارات وتصدر توصيات تُنشر للرأي العام ومنصات رقمية تفاعلية تشبه منصة وطنية مثل فنلندا تتيح للشباب إرسال مقترحاتهم ومناقشتها والتصويت عليها مع إلزام الحكومة بالرد عليها خلال فترة زمنية محددة وإشراك الشباب في الإعلام الرسمي
تخصيص برامج وحملات إعلامية يقودها الشباب بأنفسهم، كما فعلت السويد من خلال إذاعة وطنية شبابية. وأيام "مواطن-وزير” دورية
تخصيص أيام للحوار المفتوح بين الوزراء والشباب، يُبث بعضها مباشرًا لإعادة الثقة والشفافية والتمكين الاقتصادي كأداة تواصل
ربط التواصل مع الشباب بفرص ملموسة (تمويل مشاريع ريادية، تدريب مهني)، مثل تجربة ألمانيا التي أطلقت برنامج "Jugend Stärkt” لدعم مبادرات يقودها الشباب العاطل عن العمل.
إن التواصل ليس فقط لقاءً مع الشباب، بل هو تأسيس لثقافة حوار تبدأ من المدرسة مرورًا بالجامعة وصولًا إلى البرلمان ، على البرلمان أن لا يكون فقط لتأهيل الشباب و تأهيلهم للتجربة البرلمانية فقط بل يجب أن يكون مركزا للحوار والنقاش الفعلي ، ومركزاً لاشراك الشباب في صنع القرار فما فائدة التأهيل فقط دون المشاركة ، وإن إعدادهم للمستقبل البرلماني لن يكون له أي أثر دون أن يشعروا بأن أصواتهم من اللحظة الأولى لها صدى يسمع ويدرس وشراكات إقليمية ودولية
من خلال عقد شراكات مع منظمات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي للشباب لتبادل الخبرات وتطبيق برامج مثل Erasmus+ الذي يمنح الشباب فرصة التدريب والتعلم والعمل التطوعي في أوروبا والإعلام الجديد والرقمنة
من خلال إنشاء "شبكة شبابية رقمية” كأداة لربط الحكومة مباشرة بالشباب، مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل آرائهم واقتراحاتهم كما فعلت كوريا الجنوبية وتدريب صانعي القرار على لغة الشباب من خلال برامج تدريبية للمسؤولين الحكوميين لفهم عقلية الشباب ومفرداتهم، مثل برنامج النرويج لتعليم "مهارات الإصغاء للأجيال الجديدة”.
إن العمل على تعزيز هذا التواصل الحقيقي مع الشباب يعني قرارات أكثر واقعية تلائم حاجات الجيل الجديد واستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع وتقليل فجوة "نحن” و”هم” التي يشعر بها الشباب اليوم.
على الدولة أن تراهم للشباب لا كجيل ينتظر دوره، بل كشركاء حاضرين اليوم… وإن لم يُفتح لهم الباب، سيصنعون نوافذهم بأنفسهم خارجاً كما هو طموحهم اليوم.