الشرمان يكتب عندما يصبح البحث عن الشهرة هوسا وشهوة
الدكتور عديل الشرمان
نتابع يوميا من خلال وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مضامين ومحتويات إعلامية يطغى عليها الشأن المحلي الذي بات يشغل بال الكثيرين.
نتابع أصوات النواب ورسائلهم الإعلامية، ومناقشاتهم تحت القبة، قليل منهم يلبس العمامة، وجلهم يرتدي الكمامة، ونتابع على وسائل الإعلام تقارير وبرامج إعلامية قليلها بمضامين هادفة، وكثيرها للاستعراض وقاحلة، ونتابع على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل بمفردات ساحلة، وتغريدات بعضها عاقلة موزونة، وبعضها الآخر حاقدة مجنونة.
ما من رسالة إعلامية إلا ولها هدف تسعى إلى تحقيقه، هناك فرق بين إثارة الرأي العام للوصول إلى هدف محدد بعينه يتمثل بتحقيق الذات والشهرة، وبين إنارة الرأي العام بقصد جلب المنافع والفوائد، ولكل هدف منهما أسلوب وطريق مختلفين تماما.
في الطريق الأول تحل السكرة وتذهب الفكرة، وتغيب المهنية، وتغيّب مصالح الوطن لتحل معها الأنا الأنانية، والمصلحة الخاصة، ويظهر فيه الإعلامي وكأنه أحد أبطال القصة، دون أن يدرك أنه راو لها، ويظهر بدور المطّلع والفهلوي والبطل، في حين أن غيره يعرفون ما يعرف من تفاصيلها وربما أكثر، لكنهم يرفضون استعمال ما يعرفون كسلعة إعلامية يشترونها من مصادر رسمية ومشبوهة بأبخس الأسعار ليبيعوها لطبقة عريضة من المجتمع بأغلى الأثمان.
أمثال هؤلاء يجهدون أنفسهم في البحث عن الشهرة، حتى تصبح هوسا وشهوة، وبريقا لامعا سرعان ما يتلاشى هذا البريق، ففي كثير من الأحيان فإن كلمة، أو صورة، أو فيديو قصير، أو خبر أو تقرير، قد يجعلك تدخل عالم الشهرة بين عشية وضحاها، لكنها شهرة فارغة، وما هي إلا ضربة حظ أسعفتك مؤقتا لتخرجك من عزلتك إلى عالم كله أوهام.
وفي الطريق الثاني تذهب السكرة وتحضر الفكرة، وتتجلّى الخبرة والمعرفة والإحساس بالمسؤولية، ويكون الوطن حاضرا، وتتقدم المصلحة العامة، والتي تظهر باستعمال كلمات ذكية موزونة غير غامضة ولا عائمة، وتعابير مفهومة، لا تصدم الجمهور، ولا تترك أذى وأثرا نفسيا لدى الجمهور.
ما الذي يحصل إذا سلك أحدنا الطريق الأول وهو الطريق السريع للوصول إلى الذاتية والشهرة، سوف تدفعك اللهفة والشغف بتحقيق هدفك إلى المقامرة والإثارة، والسير بسرعة عالية لا تكون معها قادرا على حساب النتائج، وستصبح مضطرا للتجاوز عن مبادئ وأخلاقيات المهنة غير الحاضرة أصلا في نواميس المعرفة الإعلامية لديك، معرضا بذلك سلامتك لخطر السقوط في مطبات الطريق، والتي قد لا تكون مدركا أو عالما بها، ولن تكون سلامة الآخرين والوطن بمنأى عن خطر هذا الخطاب والسلوك الإعلامي الأرعن، وعلى الأغلب ستصل إلى هدفك، وربما ستصل القمة معتمدا على الذمة وليس الهمة، لكنك ستجد نفسك مضطرا لاتباع نفس الأساليب والسير بنفس الطريق كي تبقى محافظا على المكان الذي وصلته، وهنا يكمن التحدي، وستجد نفسك في حلبة صراع ينتهي بك في نهاية المطاف للسقوط عن القمة عندما تكشف الأيام حقيقة الطريق التي سلكتها في الوصول لأن نبل الغايات والأهداف من نبل الوسائل والطرق الموصلة إليها.
وفي حال سلكت الطريق الثاني للوصول إلى هدفك الإعلامي النبيل، ستجد أن الطريق طويل، وأكثر صعوبة، ويحتاج إلى علم ومعرفة، لكن أخطاره ومغرياته أقل وأنت مدرك لها، وستجد نفسك تسير بخطى ثابته واثقة تمكنك من تجاوز العراقيل، ومطمئنا للنتائج، وعلى طول هذا الطريق تترك الأثر الطيب في النفوس، وفي نهاية المطاف تصل إلى هدفك الإعلامي النبيل، لكنك قد لا تصل إلى القمة، وبالتالي أنت غير معرض للتحدي والصراع من أجل البقاء أو السقوط، وإن وصلت إلى القمة ستجد أن المنافسين قلة، ولن يكون هدفهم اسقاطك، بل الوصول إلى ما وصلت إليه وتعزيز مكانتك، وقد تصل إلى مبتغاك وقد جمعت بين الهدفين في عملك الإعلامي وأنت لا تقصد إلا الهدف الثاني وإن كنت ترجو الأول.