(*)هيهات من مثلكم يرقى إلى النّجم..مَن هنا تفيد السّؤال وليست أسم موصول
عنوان ملوكي يليق برتبة الملوكيّة السّامية.فيه من الملك والإستئثار الكثير.الملك المعنوي والمادي والإستئثار "الملتزم" الخالي سادتي لى وجه الكرة الأرضية وهي معنويّا أقصى ما يبلغه المرء من قدرة او احتراف لميزة أو تمتّع بصفة وها هنا فإنّ القطب هو الملك ومآثره.فهو قطب قصيّ يعصى على المتخاذلين وصوله او حتى الإقتراب من أفقه.
سادتي ما أخطأ الهيثم فلو نظرنا في خريطة العالم السياسيّة لوجدنا أن دولة الأردن الحبيبة إن هي إلّا نقطة تكاد لا تظهر وشعبها الباسل الأبيّ قليل تعداده سكّانيّا ومقدّراتها كذلك الأمر ما هي بمستوى دول غنيّة أخرى ولكن شاءت الظروف أن يحكمها ملك جليل نابغة عادل جعل من إستمرارها معجزة أمام كلّ التّحديات والأحداث التّاريخية التي عصفت بالعالم مذ ارتقى عرشها إلى موعد غيابه. قال ابن خلدون "العدل إذا دام عمّر
والظّلم إذا دام دمّر"
وفي قصيدته اعلاه يصف شاعرنا الملك ب"منارة العدل"
وما ديمومة الحكم إلُا إثباتا لهذه المقولة.من هنا يجول في خاطرنا الإعتراف بحقيقة وهي بعد النُظر وثاقب الرّؤية التي يتحلى بها قادة الأردن فالعدل ينبع من الحكمة والحكمة من الصّدق والصّدق من القوّة والقوّة عكس الضعف.
وفي ذلك يقول هيثم :
"أركان دولتكم بالعدل قد شمخت
أشدت بالعلم صرحًا غير منهدم"
قد ركّز شاعرنا قصيدته في المديح الملكي الملوكي في ثلاث محطات الاولى حتى البيت الثّالث في التّثريب او ما يشبه ندب ولوم الحال حال الشّاعر والأمّمة النّفسية والوجودية بما فيها من مآسٍ وتشرذم وتشرّد والثانية حتى البيت التّاسع في التّوجه إلى الملك والإعتذار وطلب الصّفح ورثاء الحال التي آل إليها المواطن والعربيّ بشكل عام والثّالثة والأخيرة وهي من البيت العاشر حتى الخاتمة سكب المديح وذكر مزايا مناقب ومآثر الملك وسلالته الكريمة الأصيلة ألتي نبتت على تراب المجد والعزّ والكرامة.
رحم الله جلالة الملك الحسين بن طلال وأطال في عمر خليفته الملك عبد الله المتنوّر الحكيم المحنّك.
بخلاف سيف الدّولة فإن ملوك الأردن إن أخذوا بما قالوا فهم من الشّعب وإلى الشّعب قال المغفور له الحسين بن طلال"إنني أحب هذا الشّعب حبّا عظيمًا فلولاه لما كنت شيئًا مذكورا" يا له من تواضع وتفان قلّما نجده في كلام الملوك على مرّ العصور وتبعًا لذلك فيكون شاعرنا بخلاف المتنبّي فكرًا إذ كان الأخير مادحًا لغاية في نفسه وجاءت النتائج بغير ما أحبّ بينما في هذه المعلّقة الوطنية الحاضرة فقد بُعث صوت شاعرنا من تراب الوطنية الصّادقة من لهفة المواطن المتناغم مع سلطته الحامي الحامل همّها وهي همّه..راجع أول ثلاثة أبيات لترى نبرة مفكّر تنبض كل فكرة وكل كلمة منه بأوجاع الوطن والشّعب شعبنا العربي الذّي قاسى ولا زال يقاسي الأمرٌين من واقع فرضته ظروف خرجت من سيطرته وهربت من قبضته فكان ما كان مما يعانيه ويقاسيه.أذكر قولًا آخر للملك الرّاحل الحسين إذ قال"مشاكل العالم العربي هي في اغلب الأحيان نتيجة أخطاء الزّعماء والسّياسيين وليس الشّعب"مما يتناغم وقول شاعرنا حين يتوسّل للملك بالصّفح عن من "لاكت الأيّام عزّته"يا لها من استعارة تنطبق على شعور الحاكم والمحكوم معًا.
أظنّ أن موضوع القصيدة وقد يكون ثمرة تخيّل شاعري او فكري وقد يكون حدثًا واقعيّا يدور حول شخص عربيّ او روح تاهت في العالم للم تجد في الدنيا أرقى مكانُا وأأمن موضعا من الأردن المصان "بقلم" حاكمه بعكس دول اخرى تُدار "بقلم" أظافر سلطة باطشة ظالمة.بمعنى آخر مقارنة بين جودة الحكم والعيش المختلفة بين الدّول التي زارها هذا الشّخص او قل تخيّلها الشاعر فلم يلمس مثل كرم "مزن" الهاشمي ورقي معاملته.قد يكون الموضوع أيضًا اعتذار لخطا في الرّؤية ونضوج نظرة كانت تنظر للعرش نظرة تمرّد ورفض لكنها ما لبثت ان لبست ثوب النّدم فانظر إلى قول الشّاعر:
"يا سيّدي عصبة الأشرار قد فتكت
فيما أشدتم فتك الذئب بالغنم"
اعود وأكرّر أن المعنى يبقى في قلب الشّاعر ومهما يكن من أمر فلبّ الموضوع هنا يدور حول "التّفضيل" والفخر بكل ما هو "أردنيُ" مقارنة بالعالم والعالم العربي على الأخصّ.
لا يخفى على القارئ وحتى البيت التّاسع نبرة الإنسجام ما بين الشّاعر والملك وهي أقرب ما يكون لتوجّه ابن لوالده.نعم فقد تعوّد الشّعب الأردني على علاقة أبويّة والعرش وهذا موثّق وأثبتته ألأيّام وما معركة الكرامة سوى استبسال أب دفاعًا عن ابنٍ تكاد تُغرز براثن العدو في جلده ولكن لا !فقد هزم جيش الهاشميين كل خطر شرّ هزيمة وجاءت المعجرة بخلاف منطق مراكز القوى...وها هنا يثب شاعرنا ليصف بيت آل هاشم إذ يقول:
"عرينه كانت الأساد ترهبه
سناؤه كشعاع البرق في الظّلم"
يتحفنا شاعرنا البارع بجرس موسيقيّ ومجاز لامع يحمل أسمى معاني البطولة فأين يكون البأس وأين ترتع الشّجاعة إلّا في عرين الأسد ومن اعظم وأشجع من ملك كالأسد .؟!في مدى القصيد البالغ ثلاثين بيتًا على بحر البسيط وقافية الميم .تصول وتجول اللغة العنقاء والمحسّنات اللّفظيٌة والأهزوجة الوطنيّة رافعين راية الملك المنتمي لعائلة الأمجاد ذات التّاريخ النّاصع المشرّف عائلة الكرم والجود والإنجازات وهل ينقص الأردن إنجازات وصروح فهي صرح ثقافي أكاديمي عالمي وهي مجتمع ذو قيم وتقاليد عالية فخر وعزّ يتباهى به العرب أجمع .
وفي ذلك قال شاعرنا:
"
يا من بكم تفخر الأصقاع خرّ لكم
أكاسر الفرس والرّومان كالخدم
أركان دولتكم بالعدل قد شمخت
أشدت بالعلم صرحا غير منهدم"
قرات إنه قد قيل لعمر المختار بأن إيطاليا تملك طائرات لا يملكها فقال "أتحلّق فوق العرش أم تحته؟"
قالوا "تحته" فقال"من فوق العرش معنا فلا يخيفنا من تحته"ومن فوق عرش الأردن من شعبه وله ولن يخيفه من ضده.ومن أجمل ما قاله الملك المفدّى عبدالله "نحن كدولة إمكانياتنا محدودة لكن على الخريطة نحن أكبر من حدودنا وشعب الأردن إذا أعطى كلمة بحافظ عليها"هذا الكلام يأتي من منطلق قوة وثقة قوة في الثبات وثقة بالعلاقة الوثيقة بين الملك وشعبه وهي الكفيلة باستمرار الوطن
يستحضرني هنا قول Lincoln محرر العبيد
عن الديمقراطيه إنها حكومة الشّعب للشّعب من الشّعب
"...of the people
by the people
for the people"
من هنا فأن الملك ينثر افكاره التّقدمية بأقواله الدرّية التي تؤكد على "قيمة" المواطن وأهمية بنائه وجعله مركز العمليّة التّنمويّة لتشييد صرح حضاري وطني خالد.الولاء المتبادل بين الحكم والمحكوم هو شموخ وحنكة سياسيّة لا بل قيمة إنسانية راقية
وهل شموخ وصمود الوطن في وقتنا هذا بالأمر الهيّن !وهذا مما يثبت يعزز ويبرهن قول جلالة الملك المذكور آنفًا وهو ينسجم مع بيت شاعرنا القدير هيثم النّسور إذ يقول:
"عقد من النّجم مزدان بجيدكم
كأنه من طباق السامكات رمي"
نعم سادتي كما اوضحنا في البداية فأن القطب بمآثره ومزاياه بلغ أقاصي السطوع والعطاء تمامًا كنجم بعيد في السّماء لا ينكر الكون نوره ومن دونه فناء .طوبى للأردن بملكه وشعبه