في ظلّ واقع طبيّ مجهول ، وحالة انكماش اقتصادي ناتجة عن قرارات إغلاق دول العالم على نفسها ، ظنّ كثرٌ أنّ النهاية اقتربت ، فقد هبّت رياح كورونا لتقتلع جذور أضخم الشركات بما سببته من خسائر فادحة ، وكان قطاع السفر والتجارة العالمية الأكثر تضرراً ، ما دعى كبريات شركات هذا القطاع إلى اقتراح التقاعد المبكر أو التسريح الطوعي ّعلى موظفيها ، ولم يكن قطاع صناعة السيارات أفضل حظاً مع تمركز كبرى شركاته في بؤرة الوباء " ووهان " الصينية ، كما تعرضت 50 مليون وظيفة تقريباً حول العالم للإلغاء بسبب حجم التأثير الذي تركته إجراءات الإغلاق والحجر على قطاع السياحة ، فبالرغم من ميزة الأرباح العالية فيه إلاّ أنه القطاع الأكثر حساسية للأزمات ، لكنه في نهاية الأمر يبقى قطاعاً محتوم العودة لمن كان نفسه طويلاً من المستثمرين ، أما قطاع الزراعة والإنتاج الحيواني فلا يخفى حجم الخسائر التي تعرض لها عالمياً، جراء تلف المحاصيل بسبب قيود تنقّل العمالة ، وإغلاق سبُل التسويق ، الأمر الذي تضاعفت آثاره على الدول المعتمدة على استيراد احتياجاتها الغذائية ، ما ضاعف حجم الخسائر .
وبالرغم من أنّ كورونا يعتبر مُصيبة عالمية بكل المقاييس، إلاّ أنه وكما كلّ المصائب يلوّح ببعض الفوائد التي يمكن تمييز ملامحها مع الوقت ، فقد تمكنت بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر من الوقوف أو النشوء في وجه رياح الكورونا ، وإنّ التوجه واضح لدى معظم الحكومات والمنظمات المختلفة نحو دعم هذه المشاريع بتقديم المبالغ المالية الضخمة ، وتقديم القروض بأسعار فائدة خُفّضت بنسب متفاوتة ، أو تأجيل أقساط قروضها السابقة لشهور قادمة ، وذلك في سبيل الإبقاء على أنفاس العملية الإنتاجية مستمرة ، فهذه المشاريع لا تتأثر عادة بظروف الأزمات بسبب اعتمادها على الموارد المحلية ، وفي حال توقف حركة النقل اللوجستي كما في الكورونا ، فإنّ عوائد هذه المشاريع غالباً ما تبقى متدفقة في ظلّ غياب البديل المنافس ، ما يعني أنّ الدول يجب أن تتخذ من دعم هذه المشاريع استراتيجية دائمة ، إذا ما أرادت تجنّب خسائر مالية هائلة كالتي سببتها أزمة الكورونا ، وهو ما يشكّل حجر أساس في الواقع الاعتيادي الجديد New Normal ما بعد كورونا .
ومما لا اختلاف عليه، أنّ قطاع التكنولوجيا وخدمات الإنترنت كان الأكثر حصانة خلال الجائحة، فقد شكّل جهاز التنفس الاصطناعيّ الذي نجا بالبشريّة خلال فترة الإغلاق، وذلك عبر ما قدمه من بدائل للتواصل لمواجهة التباعد المكانيّ، وفرص لنشر الوعي الصحيّ، إلى حدّ القيام بالتسوّق عبر تطبيقاته، والمؤكد أنّ نسب استخدام المنصات الصحية والتعليمية ارتفعت بشكل لافت.
إنّ العالم أجمع، وبالأخص الدول النامية تقف على أعتاب مرحلة يشكّل الاستثمار التكنولوجيّ والرقميّ، والاستثمار في المشاريع الصغيرة وما دونها في الحجم، خطّ أمان لا بدّ من إحسان استغلاله، فإنّ هذه المشاريع وإذا ما توفر لها عناصر النمو، والتمويل، والإدارة، والخبرة، فإنّ مدخولاتها سترتفع، الأمر الذي سيجعلها قابلة للنموّ واستقطاب المستثمرين إليها لتصبح مشاريع كبيرة أوحتى عملاقة.