نعيش الآن ظروفا لم نعشها من قبل، حتى آباؤنا وأجدادنا بما أوتوا من عمر طويل لم يعاصروا ظروفا كهذه من قبل، وذلك ليس بالغريب بقدر حجم الغرابة التي نستشعرها كلّما شاهدنا أخبارا تتعلق بهذه النازلة؛ فمنظمة الصحة العالمية، وجميع علماء هذا الكوكب عاجزون عن إيجاد لقاح لهذا الفيروس، وحتى عن الإجابة عن أسئلة طرحتها البشرية منذ أشهر:
هل ينتقل الفيروس عبر الأسطح؟
هل تقتل المعقّمات الفيروس؟
هل تشكّلت مناعة ضد المرض عند المتعافين؟
كيف يتسبب الفيروس بالوفاة؟
وغيرها من الأسئلة التي عجزنا عن إيجاد أجوبة لها في ركام المنصات الإعلامية، حتى ما وجدناه هو تضارب ينبئ عن خيبة أمل عالمية يعيشها العالم أجمع، تلك الخيبة التي يلخّصها أحد الأخبار: (وزيرة العمل البريطانية تلقي اللوم على العلماء في فشل الحكومات بمواجهة فيروس كورونا)، كل جهة ترحّل الفشل إلى جهة أخرى، ولا نعلم إلى أين سيستقر به الحال.
إنّ انهيار منظومات الصحة لدى الدول المتقدمة أمام هذا الفايروس، وخروج الأمور فيها عن السيطرة، حتى طلع قادتها على شعوبهم بتصريحات مخيّبة للآمال، وتتضمن في طيّاتها قمة الانهزامية والتراجع أمام طلائع هذا الفيروس، كلّ ذلك يدل على حجم الكارثة التي يعيشها علماء الأرض. لقد قيّض الله لنا عمرا وسمعنا رئيس دولة كابريطانيا يخرج لشعبه ليخبرهم ببساطة: (الكثير سيفقدون أحباءهم). تلك هي بريطانيا مهد الثورة الصناعية الحديثة، والمكان الذي رأت فيه الآلة البخارية النور لـأول مرّة، وتلك هي التي يتسابق الطلّاب للفوز بمنحة لإكمال الدراسات العليا في جامعاتها العتيدة؛ ليعودوا إلى أوطانهم ويختاروا أي الجامعات سيحاضرون بها، تقف الآن عاجزة أمام زحف هذا الوباء، بل إنّ التقهقر هو سيّد الموقف.
حالة الإحباط التي تفشّت أكثر من تفشي الفايروس نفسه جعلتنا نلح على أسئلة بخط عريض: أين مدرسو وخريجو الجامعات العريقة: كامبريدج وهارفارد وأوكسفورد؟ أين مراكز الأبحاث التي ينفق عليها الملايين؟ أين ذهبت مخصصات البحث العلمي التي أدرجت بالملايين في موازنات بعض الدول المتقدمة؟ أين أبطال نوبل، وفطاحل الفيروسات، وعباقرة الأوبئة، ونوابغ الأبحاث المنشورة، والمرجعيات العلمية الكبيرة؟ . هل فضح هذا الفيروس أكذوبة التقدم العلمي والإنجازات التي تفاخرت بها الأمم ردحًا من الزمن؟ حتى إنّ الواحد منّا أضحى يترعرع في قرارة نفسه شكًا برحلات الفضاء، وقصة صعود الإنسان إلى القمر، ولذلك ما يبرره؛ فعجز الإنسان ونحن في القرن الحادي والعشرين عن إيجاد علاج أو لقاح لفيروس وضيع، وهو حفيد نيوتن الذي اكتشف الجاذبية وقوانينها، وحفيد لويس باستر الذي اكتشف الجراثيم، وحفيد أينشتاين، وهو نفسه الذي استنسخ النعجة (دوللي) وأبهر العالم بها، ذلك الإرث العلمي المهيب أتى عليه هذا الفيروس وبعثره ذاهبًا أدراج الرياح .
ذلك الفشل العلمي الذريع جعل الإنسان يولّي وجهه إلى شيء أودعه الخالق في أجسادنا، فلا ملجأ إلا إليه، ألا وهو جهاز المناعة، ويعيدنا إليه أوّابين مستغفرين؛ فهو الخالق البارئ المصوّر. ويرسّخ إيماننا به وبما ذكر في كتابه (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) صدق الله العظيم.
أحمد البدارين
الإمارات العربيّة المتحدة
الجمعة / 29/ أيار/ 2020