بدأ العام الدراسي 2019 / 2020 في مدارس الأردنّ بموجب خطة تم إعدادها مسبقاً كما في غيره من الأعوام ، لتتركز جهود كوادر وزارة التربية والتعليم الأردنية على تنفيذ جوانب الخطة وفق جدول زمني بما يضمن تحقيق النتاجات المستهدفة .
إلاّ أنّ وباء الكورونا ، اضطر الدولة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية لمنع انتشار الفيروس ، الأمر الذي استدعى إغلاق المدارس وبالتالي توقف العملية التعليمية التقليدية كما عهدناها ، ما زاد في اضطراب الأهل وقلقهم على تحصيل أبنائهم العلمي في عام دراسي استُهلّ بإضراب للمعلمين بموجب قرار نقابتهم .
إلاّ أنّ وزارة التربية والتعليم أعلنت عن إنشاء منصة إلكترونية للتعلّم عن بُعد ، في سابقةٍ لم يألفها الطلبة والمعلمون على حدٍ سواء من قبل ولو على سبيل التجريب ، حيث استأنف أغلب الطلبة متابعة الدروس ، وأداء الواجبات ، وتقديم الامتحانات بحسب تصريحات الوزارة .
ولم يكن الطريق ممهداً بالورود كما يبدو للوهلة الأولى ؛ حيث أنّ آلية التفاعل عبر المنصة شابها بعض التشويش لدى الطلبة وذويهم ، كما حالت بعض العقبات الفنية ، والتقنية ، واللوجستية من انسيابها ، وتكيّف عناصر العملية التعليمية معها ، إلاّ أنّ وزارة التربية والتعليم ومديرياتها نجحت من خلال كوادرها إلى جانب فرق الدعم الفني ، في تجاوز العوائق تباعاً ، ما هيأ البيئة للمعلمين - نسبياً- للتمكن من مواصلة مهمتهم وفق الخطة المعدة من قبل وزارة التربية والتعليم .
وبما أنّ الأزمات تخلق الفرص ، فلا شك أنّ تجربة التعلم عن بُعد خلال أزمة الكورونا فرصة يجب استغلالها ، لا سيّما وأنّ التجربة فاعلة في العديد من الدول منذ ما قبل الكورونا بعقود ، إضافة إلى تطبيقها في بعض مدارس الأردن الخاصة بشكل جزئي ، ووجودها على نطاق محدود في بعض الجامعات الأردنية ، إلى جانب إدراجها ضمن خطط وزارة التربية والتعليم وبدء الإعداد لها في السنوات الأخيرة ، فما كان إلاّ أن سارعت أزمة كورونا في إخراج هذه الخطط إلى حيّز التنفيذ ، والتجربة و بالرغم مما رافق ولادتها من بعض المشكلات ، إلاّ أنها غنيّة بالكثير من الإيجابيات التي تجعلها جاذبة مع تطورها بمرور الوقت .
وهنا لا بدّ من طرح بعض التساؤلات حول مستقبل هذه التجربة ، فهل ستقترن عملية التعلم عن بُعد بالظروف الاستثنائية فقط ؟ أم أنها ستصبح مرتكزا أساسياً لاستراتيجيات العملية التعليمية التقليدية ؟ الأمر الذي يستدعي تعريف مفهوم التعليم عن بُعد ، وايضاح طبيعة العلاقة التي تربطه بعملية التعلّم والتعليم ، وهل سيتم تطوير التجربة بما يضمن تحقيق أعلى درجات الثبات والجودة في مخرجاتها ؟ وهل سيرافق ذلك تحديث لمحتوى المناهج الدراسية بما يتناسب وتقنيات التعلم عن بُعد ؟ وهل سيقوم المعلمون بتضمين معطيات هذه التجربة لخططهم السنوية ؟ وإلى أيّ مدى ستذهب وزارة التربية والتعليم في إعداد وتأهيل المعلمين للتعامل مع متطلبات التعلم عن بُعد ، بما يضمن حصول الطلبة في مختلف مناطق المملكة الجغرافية على ذات المنتج التعليمي ؟ الأمر الذي يتطلب انتاج وتفعيل أدوات واستراتيجيات قياس عالية الدقة ، للوقوف على مواطن القوة و الضعف ، فتعزز القويّ منها بالمزيد من التطوير ، وتعالج الضعيف من بينها على وجه السرعة ، بما يكفل تحصيلاً علمياً متساوياً للطلبة ، ومراعياً لفروقهم الفردية .
إنّ العملية التعليمية تشكل شبكة تتداخل خيوطها على نحو يدمج بين التحصيل الأكاديمي للطلبة ، وبناء شخصياتهم ، وتشكيل منظومة القيم والاتجاهات لديهم نحو مختلف القضايا الوطنية ، والبيئية ، والاجتماعية ، والدينية ، والعالمية ، دون اغفال أهمية التربية الفنية ، والمهنية ، والرياضية ، والتي لم تنل حصتها من الاهتمام خلال الأزمة ، فهل ستتمكن وزارة التربية والتعليم من إدراج جميع هذه العناصر ، وتفعيلها ضمن آليات التعلم عن بُعد ؟ لا سيّما وأن ثلاثة من الشهور لا زالت تفصلنا عن العام الدراسي الجديد ، وهي فترة يمكن استغلالها في الإعداد والتطوير والتدريب ، بما يضمن عاماً دراسيا ً هادئاً ، وناجحاً ، وعالي الجودة لأبنائنا الطلبة .