الدكتور
محمد أبو الرب لنيروز : الاستثمار في الإنسان طريقنا للسلام والتنمية المستدامة"
نيروز
– محمد محسن عبيدات
مقابلة
صحفية شاملة مع الدكتور محمد أمين أحمد أبو الرب / مدير المعهد
الدولي العربي للسلام والتربية
في زمن
تتسارع فيه التحديات الاجتماعية والسياسية والبيئية، يبرز المعهد الدولي العربي للسلام
والتربية كواحة فكرية وإنسانية تسعى لترسيخ قيم الحوار والتعايش والتمكين. منذ تأسيسه
وحتى حصوله على الصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، أثبت
المعهد أنه ليس مجرد مؤسسة تعليمية أو تربوية، بل نموذجًا رائدًا في الاستثمار بالإنسان
وتعزيز السلم المجتمعي وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة. اليوم، يعد المعهد قصة نجاح
ملهمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الفكر والعمل، وبين الطموح المحلي والرؤية الدولية.
سؤال:
بداية دكتور محمد، نود أن نعرف القرّاء بالمعهد الدولي العربي للسلام والتربية، وما
الذي يميّزه على المستوى الدولي؟
أبو الرب:
المعهد الدولي العربي للسلام والتربية هو مؤسسة فكرية وتربوية وإنسانية تعمل على ترسيخ
قيم السلام والتعايش والحوار البنّاء، وقد حظي المعهد منذ عام 2024 بالصفة الاستشارية
لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وهو ما يشكل اعترافًا دوليًا
بدوره ورسالته وأثره. هذه الصفة تتيح لنا مساحة أوسع للتأثير والمشاركة في صياغة المبادرات
والبرامج المرتبطة بالتربية والسلم المجتمعي وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
سؤال:
ما القيم الجوهرية التي ينطلق منها المعهد في عمله؟
أبو الرب:
نؤمن في المعهد بأن أي عمل مؤثر لا بد أن يستند إلى منظومة قيم واضحة. تنطلق رؤيتنا
من قيم وطنية وإنسانية عالمية، في مقدمتها الحرية والعدالة والتسامح والكرامة الإنسانية،
إلى جانب قيم التضحية والمروءة، والإرادة والريادة، مع الحفاظ على التوازن بين الأصالة
والمعاصرة. هذه القيم ليست شعارات، بل إطار عملي يوجّه برامجنا وشراكاتنا ونشاطاتنا
المختلفة.
سؤال:
ما المهام الأساسية التي يعمل عليها المعهد؟
أبو الرب:
تتمثل مهامنا في الارتقاء بالعلاقات الإنسانية، وتعزيز الحوار الهادف والبنّاء، وتسهيل
سبل التعايش بين الثقافات المختلفة. كما نولي اهتمامًا خاصًا بتمكين الشباب والمرأة،
باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في بناء المجتمعات وخدمة الأوطان، وصولًا إلى عالم يسوده
السلم الاجتماعي والمحبة والاحترام المتبادل.
سؤال:
حدّثنا عن الأهداف الاستراتيجية للمعهد في مجالات التربية والسلم المجتمعي.
أبو الرب:
في مجال التربية والتعليم، نعمل على التدريس والتدريب والتمكين والتأهيل، وتنظيم المؤتمرات
والمنتديات حضوريًا وعن بُعد، مع بناء شراكات مع معاهد ومنظمات محلية وإقليمية ودولية
تشترك معنا في الرؤية والأهداف.
أما في
مجال السلم المجتمعي، فنركز على تعزيز ثقافة السلام، ونشر الوعي بأهمية البيئة النظيفة
والتنمية المستدامة، وتعميق التفاهم بين الشعوب واحترام خصوصية كل مجتمع، إضافة إلى
دعم العمل التطوعي وبناء شراكات استراتيجية في مجالات التنمية البشرية وتبادل الخبرات.
سؤال:
ماذا عن حقوق الإنسان والتنمية المستدامة؟
أبو الرب:
حقوق الإنسان تشكّل أحد المحاور الأساسية في عملنا، حيث نعمل على تعظيم هذه الحقوق،
ونشر الوعي المجتمعي بأهميتها، وربطها بشكل مباشر بالسلم والأمن المجتمعي.
وفي مجال
التنمية المستدامة، نؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو المحور الأهم والأساس لأي تنمية
حقيقية. لذلك نركز على التمكين المعرفي، وحماية البيئة والموارد الطبيعية، وتعزيز الشراكات
الاستراتيجية التي تسهم في تحقيق الازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي على المدى الطويل.
سؤال:
ما الآليات التي يعتمدها المعهد لتنفيذ برامجه؟
أبو الرب:
نعتمد على منظومة متكاملة تقوم على التمكين والتعليم المستمر، وتنظيم الورش والمؤتمرات
والمحاضرات حضوريًا وعن بُعد في سويسرا وخارجها. كما نستضيف محاضرين وخبراء من جنسيات
وثقافات مختلفة، ونعمل على تطوير علاقاتنا مع الهيئات التعليمية والاقتصادية والسياحية
السويسرية والدولية. إلى جانب ذلك، يمنح المعهد شهادات تخصصية وتقديرية، وينتخب سفراء
سلام تقديرًا للجهود المتميزة في خدمة قضايا السلام والتربية.
سؤال:
أعلنتم عن خطة العمل الاستراتيجي 2025–2026، ما أبرز ملامحها؟
أبو الرب:
تركّز الخطة بشكل خاص على الجانب الإعلامي وآليات التمويل، انطلاقًا من منطقة الخليج
نحو العالم العربي. هدفنا هو استقطاب التمويل المستدام وبناء أدوات متقدمة تعتمد على
الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وتحسين الاستهداف وتعظيم أثر الإعلام الرقمي، دون
المساس بجوهر المعهد أو فلسفته. هذه الخطة جزء من رؤية تشغيلية تمتد لعدة سنوات، وتقوم
على شراكات مؤثرة وفاعلة.
سؤال:
كيف يوظف المعهد الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي في تحقيق أهدافه؟
أبو الرب:
نعمل على بناء حضور رقمي متكامل عبر منصات مختلفة؛ لينكدإن للتواصل المؤسسي وفتح قنوات
التمويل، ومنصة X للتغطيات
السريعة والإعلانات الرسمية، ويوتيوب لنشر المحتوى المرئي التعليمي والتربوي، فيما
يبقى الموقع الرسمي المرجع الأساسي للممولين والشركاء.
كما نستخدم
الذكاء الاصطناعي في تحليل التفاعل الجماهيري، ورصد الاتجاهات الإعلامية والكلمات المفتاحية،
واختيار أفضل الأوقات والموضوعات للنشر، ما يعزز من فعالية الحملات الرقمية ويزيد فرص
الوصول إلى الجهات الداعمة.
سؤال:
ما آليات استقطاب التمويل، خصوصًا من دول الخليج؟
أبو الرب:
نركز على بناء شبكة علاقات مؤسسية مع جهات حكومية وشبه حكومية، ومؤسسات وقفية، وصناديق
دولية، إلى جانب شركات القطاع الخاص وبرامج المسؤولية المجتمعية. تشمل الجهات المستهدفة
وزارات التربية والإعلام والبيئة والشؤون الاجتماعية، ومراكز الدراسات الوطنية، والجامعات
الكبرى، والمؤسسات الوقفية الرائدة، والبنوك والشركات الكبرى في الخليج والعالم العربي.
هدفنا هو شراكات مستدامة تخدم رسالة المعهد وتحقق أثرًا ملموسًا على أرض الواقع.
سؤال:
دكتور محمد أمين أبو الرب، شاركت مؤخرًا كضيف شرف في مؤتمر "ملهمات المستقبل"
للمرأة فارسة الدبلوماسية في العاصمة عمان، بتنظيم من فرسان السلام. ما هو رأيك في
المؤتمر من حيث الفعالية والتنظيم، وما أبرز الانطباعات التي خرجت بها؟ وما الرسالة
التي تود توجيهها للقائمين على هذا الحدث؟
أبو
الرب: كان المؤتمر تجربة ملهمة بكل المقاييس، فقد جمع نخبة من القيادات النسائية والمبادرات
الفاعلة في مجالات الدبلوماسية والتعليم والمجتمع المدني، ما يعكس مستوى عاليًا من
التنظيم والاحترافية. وقد أعجبني تنوع المشاركات وعمق المواضيع المطروحة، مما وفر منصة
حقيقية لتبادل الخبرات وتقديم نماذج ناجحة للقيادة النسائية في العالم العربي. أما رسالتي
للقائمين على المؤتمر، فهي الشكر والتقدير على جهودهم المتميزة في إنجاح هذا الحدث،
والذي يثبت أن العمل الجماعي والتخطيط المبتكر قادران على إحداث أثر إيجابي ومستدام
في دعم المرأة وتمكينها لتحقيق أهدافها وطموحاتها.
سؤال أخير:
ما الرسالة التي يود المعهد توجيهها من خلال هذه الجهود؟
أبو الرب:
رسالتنا واضحة؛ السلام يبدأ من التربية، والتنمية تبدأ من الإنسان. نعمل على بناء جسور
الثقة والحوار بين الثقافات، وتمكين المجتمعات من أدوات المعرفة والوعي، بما يسهم في
عالم أكثر عدالة وسلامًا واستدامة.
النجاح
الذي حققه المعهد الدولي العربي للسلام والتربية لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية
واضحة، وقيم راسخة، وجهود مستمرة لتعزيز الإنسان والمجتمع. من خلال برامجه التعليمية،
ومبادراته في السلم المجتمعي، وتوظيفه للإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، استطاع المعهد
أن يصبح نموذجًا يحتذى به في العالم العربي وخارجه. إنه أكثر من مؤسسة، إنه قصة نجاح
مستمرة، تذكرنا دائمًا بأن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأضمن نحو السلام والتنمية
والازدهار.