حين نتأمل مسيرة الأردن، نكتشف أن هذا البلد الصغير بمساحته كبير بما يحمله من قيم إنسانية وما يقدمه من قيادات ملهمة. وكما قال جلالة الملك عبدالله الثاني: "الإنسان الأردني هو أغلى ما نملك، وهو محور التنمية وغايتها.” هذه العبارة لم تكن مجرد شعار، بل أصبحت نهجًا متجسدًا في سياسات الدولة ومؤسساتها، وفي الشخصيات التي تصدّرت مواقع المسؤولية والريادة.
الأردن، الذي تجاوز تحديات الجغرافيا وقلة الموارد، استطاع أن يجعل من رأس ماله البشري أعظم ثرواته. وفي لقاءات عديدة مع نخبة من أبنائه، بدا واضحًا أن ما يجمعهم ليس المنصب ولا الاختصاص، بل روح إنسانية وفكر قيادي يؤمن بأن الإنسان هو البداية والنهاية لأي مشروع وطني.
من بين هذه النماذج، كانت معالي وفاء بني مصطفى، وزيرة التنمية الاجتماعية، التي تحدثت بلغة تضع الإنسان في صدارة الأولويات. لم يكن حديثها عن القوانين واللوائح بقدر ما كان عن الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وكيف يمكن لوزارة اجتماعية أن تكون بيتًا حقيقيًا يحمي الفئات الأضعف ويمنحهم فرصًا للحياة الكريمة.
وفي ميدان التعليم، حضر الدكتور إسماعيل الحنطي، رئيس جامعة الحسين التقنية، الذي يحمل رؤية تربط بين الشباب وسوق العمل، بين الفكرة والإبداع، وبين الجامعة والمجتمع. كان حديثه مليئًا بالشغف، وكأن كل طالب هو مشروع مستقبل يجب أن يُرعى ويُنمّى ليكون لبنة في بناء وطن متجدد.
أما في الصحة، فقد تألقت نسرين قطامش التي تقود مؤسسة الحسين للسرطان بروح إنسانية عالية. لم يكن حضورها مجرد إدارة لمؤسسة طبية، بل قيادة ملهمة مع فريق عملها ليجعلوا من المركز بلسمًا وأملًا في مواجهة مرض السرطان. قوة وعزيمة تتجسد في كل مبادرة، وفي كل يد تمتد لمريض؛ لتقول إن الرعاية ليست علاجًا فحسب، بل رسالة إنسانية تحفظ الكرامة وتزرع الأمل.
وفي الاقتصاد، كان اللقاء مع خليل الحاج توفيق، رئيس غرفة تجارة عمّان، وبرفقته فريق مجلس إدارته. كان الحوار مختلفًا؛ إذ لم ينحصر في تفاصيل السوق والأمن الغذائي فحسب، بل امتد إلى دور الغرفة في دعم الشباب وتعزيز قدراتهم ومهاراتهم. كان لافتًا أن التوجه لم يكن اقتصاديًا ضيقًا، بل رؤية أوسع ترى في الشباب طاقة وطنية يجب الاستثمار فيها، فهم عماد التجارة وريادة الأعمال، وضمانة الاستقرار والنمو في المستقبل.
ولم يغب البعد الأكاديمي عن هذا المشهد؛ فقد أطلّ الدكتور نضال الرمحي، رئيس جامعة الزرقاء الخاصة، الذي يقود مشروعات بحثية وأكاديمية تربط بين المعرفة والابتكار. رؤيته واضحة: أن الطالب ليس متلقّيًا للعلم فقط، بل شريك في صناعة مستقبل الوطن.
الأردن.. بيئة للقيم وصناعة القيادات
هذه الأسماء ليست إلا نماذج لمدرسة أردنية أوسع، مدرسة تقوم على أن القيادة ليست لقبًا، بل مسؤولية ورسالة. في الأردن، تتجلى ثقافة العمل الجماعي، حيث يتشارك القطاع العام والخاص، الجامعات والمؤسسات، الجمعيات والأسواق، في صياغة رؤية مشتركة: أن يبقى الإنسان في قلب التنمية.
إن ما يميز الأردن هو أن قياداته تخرج من رحم التجربة وقوة المعرفة، في بلد يعرف معنى التحدي. لذلك فإن الحديث عن القيادات الأردنية هو في جوهره حديث عن قيم أصيلة: النزاهة، المسؤولية، الصمود، والعمل بروح الفريق.
كلمة الختام ،،
الأردن ليس مجرد دولة على خريطة الجغرافيا، بل حكاية مستمرة من العطاء الإنساني والقيادات الملهمة. وما التقيت به من شخصيات إلا انعكاس لصورة أكبر، تقول إن هذا البلد يمتلك ما يجعله حاضرًا بقوة في الفكر والعمل، وأنه قادر على أن يظل مصدر إلهام لمنطقتنا العربية كلها.
وكما يؤكد سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني: "شباب الأردن هم طاقة التغيير، وهم أمل الحاضر والمستقبل.” إنها كلمات تختصر الرسالة وتلخّص الرؤية، لتبقى القيادة والشباب معًا جناحي الأردن نحو المستقبل.