يُعتبر كنعان عزّت رشيد طوران واحدًا من أبرز الأسماء التي شكّلت الذاكرة الرياضية والإعلامية في الأردن. فقد استطاع أن يجمع بين موهبة لاعب كرة القدم المتألق، وصوت المذيع المتمكّن، وقلم الصحفي الرصين، ليترك إرثًا إنسانيًا ومهنيًا سيظل حاضرًا في وجدان الأردنيين لعقود طويلة.
ولد كنعان عزّت في مدينة الزرقاء عام 1950، وفي أزقتها الشعبية بدأت ملامح موهبته الكروية بالظهور. منذ طفولته، كان يلاحق كرة القدم بشغف في الحارات والساحات، حتى لفت أنظار المدربين والمسؤولين بمهاراته اللافتة وسرعته في الملعب. هذا الشغف قاده إلى النادي الأهلي، أحد أعرق الأندية الأردنية، حيث صقل موهبته وأصبح لاعبًا أساسيًا في صفوفه.
لم يكن كنعان عزّت مجرد لاعب عادي، بل كان مهاجمًا بارعًا عُرف بسرعته وقدرته على التسجيل في اللحظات الحاسمة. مثّل المنتخب الوطني لكرة القدم والمنتخب العسكري بين عامي 1968 و1973، وسجّل حضورًا مؤثرًا في مباريات كبرى أمام فرق مثل الفيصلي والجزيرة والحسين إربد. امتاز بحس تكتيكي وروح جماعية جعلته محبوبًا لدى زملائه ومشجعيه على حد سواء.
إلى جانب لعبه للنادي الأهلي والمنتخب، مارس أدوارًا متعددة في كرة القدم، حيث عمل حكمًا للدرجة الثانية (1980 – 1983)، ثم مدربًا للدرجة الأولى (1983 – 1985)، ما يعكس عمق تجربته وشموليته في المجال الرياضي.
بعد سنوات من العطاء في الملاعب، أدرك كنعان عزّت أن رسالته مع الرياضة لا يجب أن تتوقف عند حدود المستطيل الأخضر. عام 1971، التحق بالإذاعة الأردنية مذيعًا ومنتجًا للبرامج الرياضية، وهناك برز صوته القوي وأسلوبه المميز في التعليق والتحليل. لم يكن مجرد ناقل لأحداث المباريات، بل كان يضفي عليها حياة وحماسة، ويجعل المستمع يشعر وكأنه يجلس في المدرجات.
تدرّج في عمله الإعلامي حتى أصبح رئيسًا للبرامج الرياضية الشبابية في الإذاعة الأردنية (1983 – 1999)، ليؤسس مدرسة في التعليق والتحليل الرياضي، تجمع بين الخبرة الميدانية كلاعب سابق والرؤية الإعلامية المتقدمة.
إلى جانب الإذاعة، انضم كنعان عزّت إلى صحيفة الرأي، حيث عمل محررًا في قسمها الرياضي. امتاز قلمه بالرصانة والموضوعية، إذ لم يقتصر على نقل النتائج والأخبار، بل تناول الرياضة كقيمة إنسانية وتربوية. ركّز على الجوانب الأخلاقية والوطنية في الرياضة، مؤكدًا أن المنافسة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لغرس الانضباط وروح الفريق.
لم يقتصر عطاؤه على الإعلام واللعب، بل شغل مناصب مهمة في الاتحادات الرياضية، منها:
أمين عام الاتحاد الأردني لكرة اليد (1988 – 1990).
عضو الاتحاد الأردني لكرة السلة (1990 – 1992).
نائب رئيس الاتحاد الأردني للإعلام الرياضي والشبابي (1994 – 1996).
أمين عام النادي الأهلي (1997).
عضو الاتحاد الأردني لبناء الأجسام (1997 – 1998).
عضو الاتحاد الأردني للتايكواندو (1999 – 2000).
هذه المواقع المتنوعة تعكس إيمانه بالعمل المؤسسي، ورغبته الدائمة في خدمة الحركة الرياضية الأردنية من مختلف مواقعها.
كل من عرف كنعان عزّت أجمع على دماثة خلقه وتواضعه وروحه المرحة. كان ودودًا قريبًا من الجميع، يحمل ابتسامة دائمة ويستقبل الناس بحب واحترام. هذا الجانب الإنساني جعله محبوبًا من زملائه ومتابعيه، وزاد من مكانته كقدوة في السلوك قبل أن يكون نجمًا في الرياضة والإعلام.
في عام 2005، رحل كنعان عزّت تاركًا فراغًا كبيرًا في الوسطين الرياضي والإعلامي. كتبت الصحف مقالات مؤثرة عن رحيله، وحملت العناوين عبارات صادقة مثل: «كنعان عزّت… باقٍ في ملاعبنا». ولم يكن التكريم رمزيًا فقط، إذ أُطلق اسمه على ملعب شعبي في مدينة الزرقاء، جُددت أرضيته بالعشب الصناعي عام 2014 ليحمل اسم ملعب كنعان عزّت، تخليدًا لذكراه.
اليوم، وبعد مرور سنوات على رحيله، يبقى كنعان عزّت حاضرًا في ذاكرة الأردنيين، لاعبًا أبدع في الملاعب، وإعلاميًا أسس لتقاليد رياضية راقية، وإنسانًا ترك أثرًا طيبًا في قلوب الجميع. إرثه يتجاوز حدود الإنجازات الفردية، ليغدو مصدر إلهام للأجيال المقبلة، يذكّرهم بأن العظمة الحقيقية لا تُقاس بالبطولات فقط، بل بما يتركه الإنسان من قيم وإخلاص وصدق.