بكل مشاعر الاعتزاز والفخر، أتقدّم بخالص الشكر والامتنان إلى جلالة الملكة رانيا العبدالله، على خطابها التاريخي الذي ألقتْه في المكسيك، والذي لم يكن مجرد كلمات، بل كان صرخة ضمير حيّ، ونداءً للإنسانية جمعاء.
لقد أثبتت جلالتها مرة أخرى أنها ليست فقط ملكة في موقعها، بل ملكة في وجدان كل من سمعها، حين قالت بجرأة ووضوح إن "غزة اليوم تشكّل العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي”. هذه العبارة وحدها كانت كفيلة بأن تهزّ القلوب وتوقظ الضمائر، لأن المأساة هناك لم تعد قضية سياسية بل قضية إنسانية أخلاقية تُعرّي صمت العالم.
ولمستني جلالتها بعمق حين سألت: "كيف نقيس التقدم؟”، ثم أجابت بأن التقدّم الحقيقي لا يُقاس بمعدلات النمو ولا بالأبراج الزجاجية، بل يُقاس بالرحمة والعدل والكرامة الإنسانية. كم نحن بحاجة إلى هذا التذكير في زمنٍ اختلطت فيه المقاييس، فصارت الأرقام أعلى من قيمة الإنسان، وجاء صوت جلالتها ليعيد التوازن إلى المعايير، ويربط التقدم بالوجدان لا بالمادة.
وما زاد الخطاب جمالاً وسموّاً هو ذلك الختام الذي أضاء الأرواح قبل العقول، حين استشهدت جلالتها بالآية الكريمة:
لتُذكّرنا أن العمى الحقيقي ليس في العيون، بل في القلوب حين تفقد بصيرتها الأخلاقية. كلمات نابعة من إيمان صادق، ومن قلب يعرف معنى الرحمة ويدرك رسالة القيم.
لقد حملتِ جلالة الملكة رانيا العبدالله حفظها الله قضايا أمتنا إلى أبعد من الحدود، ونطقتِ بلسان كل أم وأب، وكل طفل فقد مأواه، وكل شعب يتوق للكرامة. كلماتك لم تكن موجّهة لشعب دون آخر، بل كانت إنارة للبشرية جمعاء، ورسالة خلاص من غربة القيم التي تهدّد عالمنا.
إنني، وباسم كل امرأة عربية تفخر بك، أقول لك: شكراً لأنك الصوت الذي لا يخاف الحقيقة، شكراً لأنك جعلتِ من الأردن مرآةً للضمير الحيّ، شكراً لأنك زرعتِ الأمل في أن الإنسانية لا تزال قادرة على أن تنهض من تحت الركام.