لقد إعتاد المتقاعدون العسكريون أن يخوضوا معاركهم دفاعا عن الوطن على ثغور الحدود، واليوم يخوضون معركة جديدة في الداخل، عنوانها محاربة الفساد وحماية حقوق رفاق السلاح ، وهي معركة لا تقل شرفا ولا خطورة عن معارك الأمس، لأنها تتعلق بمستقبل مؤسسة تحمل إرثهم وتاريخهم ، فقد شكلت مؤسسة المتقاعدين العسكريين عبر عقود صرحا وطنيا جامعا، يليق برجال بذلوا زهرة شبابهم في ميادين الشرف دفاعا عن الوطن وأمنه ، غير أن هذه المؤسسة العريقة مرت في فترات سابقة حملت تحديات إدارية ومالية أضعفت قدرتها على تحقيق أهدافها، وأفقدتها بعضا من بريقها وثقة جمهورها من المتقاعدين الذين يطمحون لرؤية مؤسستهم قوية وفاعلة كما تليق بتاريخهم وتضحياتهم ،
أما اليوم، ومع تولي الإدارة الجديدة زمام الأمور، يلوح في الأفق مستقبل مختلف، إذ جاء المدير العام الجديد الباشا الرقاد برؤية إصلاحية شاملة، قوامها محاربة الفساد وترسيخ قيم النزاهة والشفافية. فقد أدرك أن أي مؤسسة لا يمكن أن تنهض أو تتطور إذا بقيت أسيرة للممارسات القديمة أو رهينة للشللية والمحسوبية.
فقد وضع المدير العام الجديد نهجا إداريا حديثا يقوم على الإنفتاح على المتقاعدين العسكريين والإستماع إلى مطالبهم، وتحقيق العدالة في توزيع الفرص، وإعادة بناء جسور الثقة بين المؤسسة وأبنائها. وهو يدرك أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من خلال إعادة هيكلة الإدارات، وإغلاق منافذ الهدر، ومحاسبة كل من يعبث بحقوق المتقاعدين أو يحاول استغلال موارد المؤسسة لمصالح ضيقة.
وما يميز هذه المرحلة أن مكافحة الفساد لم تعد مجرد شعار يرفع، بل تحولت إلى ممارسة عملية ملموسة في القرارات والإجراءات اليومية ، بدءا من ضبط الإنفاق وتعزيز الرقابة المالية، وصولا إلى إطلاق مبادرات إقتصادية وإستثمارية وزيارات ميدانيه تعود بالنفع المباشر على رفاق السلاح وتوفر لهم حياة كريمة بعد سنوات خدمتهم الطويلة.
من هنا يمكن القول إن مستقبل المؤسسة يبدو واعدا، ليس فقط لأنها تحت قيادة جديدة، بل لأنها تسير بخطوات ثابتة نحو ترسيخ قيم العدالة والشفافية التي طالما نادى بها المتقاعدون العسكريون ، وهو ما سيعيد لهذه المؤسسة حضورها الوطني ودورها التنموي والإجتماعي المنشود.
إننا أمام لحظة فارقة إما أن نستثمر بهذا الزخم الإصلاحي وندعمه حتى تكتمل عملية البناء، أو نسمح للمصالح الضيقة أن تعيدنا إلى الوراء. وما نلمسه حتى الآن من جدية في التطوير والتحديث وفتح الأبواب أمام الكفاءات الوطنية، يجعلنا أكثر تفاؤلا بأن المؤسسة ستتحول إلى نموذج يحتذى به في الإدارة الرشيدة وخدمة المتقاعدين.
وخلاصة القول بان مستقبل مؤسسة المتقاعدين العسكريين وكما يلوح في الأفق سيكون مشرقا إذا إستمر نهج الإصلاح الشامل وإذا ما وضعت مصلحة الوطن والمتقاعدين فوق كل إعتبار. وعلى الحكومة أن تدرك أن دعم هذه الإدارة الجديدة واجب وطني لا يحتمل التردد، وأن أي تقاعس رسمي في حماية هذا النهج الإصلاحي سيعد اصطفافا مع الفاسدين وخيانة لتضحيات آلاف المتقاعدين الذين أفنوا حياتهم دفاعا عن الوطن. وهذا هو الإختبار الحقيقي للدولة ، فإما أن تنتصر للنزاهة والإصلاح، أو تترك المؤسسة فريسة لمن يتوقون إلى عصور الظلام والمحسوبيات.