تشكل المنح الدولية رافدًا استراتيجيًا للاقتصاد الأردني، حيث بلغ متوسطها خلال السنوات الخمس الماضية ما يقارب 1.5–2 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل 12–15% من الموازنة العامة. هذه الموارد لم تبق في الإطار المالي النظري، بل تُرجمت إلى مشاريع بنية تحتية أساسية في مجالات المياه، الطاقة، النقل، الصحة، والتعليم، ما يجعل أثرها ملموسًا وموثقًا. ورغم وضوح هذا الأثر، تظهر بين الحين والآخر طروحات سطحية تنكر جدوى المنح أو تقلل من قيمتها، متجاهلة الشواهد الرقمية الماثلة على الأرض.
أولًا: القدرات الحكومية المطلوبة للحصول على المنح
•القدرة التفاوضية والدبلوماسية: الأردن تمكّن من جذب منح كبرى مرتبطة بأولويات وطنية، مثل قطاع الطاقة والمياه، بما يفوق 500 مليون دولار سنويًا في بعض الأعوام.
•الجاهزية الفنية: وحدات متخصصة داخل وزارات التخطيط والطاقة والمياه تقدم مقترحات مشاريع مدعومة بدراسات جدوى مفصلة.
•المؤسسية والحوكمة: أنشئت أنظمة متابعة وتقييم إلكترونية داخل وزارة التخطيط لرقابة أكثر من 350 مشروعًا ممولًا خارجيًا.
•المصداقية والشفافية: تقارير البنك الدولي (2022) أشارت إلى أن الأردن من الدول ذات "الالتزام المرتفع” في إدارة التمويل الخارجي.
•الربط الاستراتيجي: أكثر من 70% من المنح تم ربطها مباشرة بخطط التنمية الوطنية، وليس بمشاريع ظرفية قصيرة المدى.
ثانيًا: تقييم فعالية المنح – شواهد رقمية على البنية التحتية
•قطاع المياه:
•تمويل مشروع الناقل الوطني للمياه، بقيمة تجاوزت 200 مليون دولار من منح ميسرة.
•تطوير شبكات المياه في محافظات الشمال بتمويل يقارب 150 مليون دولار.
•قطاع الطاقة:
•مشاريع ربط الشبكات الكهربائية وتوسيع محطات الطاقة المتجددة، بتمويل يتجاوز 300 مليون دولار.
•تحسين كفاءة محطات التوليد وتخفيض الفاقد الكهربائي بنسبة تقارب 7% خلال خمس سنوات.
•قطاع النقل:
•تحديث أسطول النقل العام في عمّان وإربد بمنح تجاوزت 50 مليون دولار، مما ساعد على تحسين خدمة نحو 250 ألف راكب يوميًا.
•قطاع الصحة:
•توسعة وتجهيز المستشفيات الحكومية في إربد والمفرق والزرقاء بمنح تتجاوز 200 مليون دولار.
•دعم برامج الرعاية الصحية الأولية عبر إنشاء مراكز جديدة وتجهيزها، بتمويل يقارب 80 مليون دولار.
•قطاع التعليم:
•بناء مدارس جديدة وتوسعة القائم منها، بتمويل منح يقارب 120 مليون دولار، استفاد منها أكثر من 100 ألف طالب.
ثالثًا: الرد العلمي على الطروحات السطحية
•البيانات الرقمية: عند الادعاء أن المنح "غير ملموسة”، يمكن الرد بأن المنح مولت وحدها ما يقارب 25% من مشاريع المياه والطاقة الجديدة في العقد الأخير.
•الأثر الميداني: وجود مرافق صحية جديدة في الشمال، ومدارس حديثة في الأطراف، كلها شواهد على أثر المنح المباشر.
•المنهجية المؤسسية: المنح تخضع لرقابة ثلاثية (حكومية – مانح – طرف مستقل)، ما يقلل من هامش الهدر.
•الإشارة العابرة للاجئين: صحيح أن جزءًا من المنح وُجه للتعامل مع تداعيات اللجوء، لكن البنية التحتية الأردنية (مياه، طاقة، مدارس، مستشفيات) كانت المستفيد الرئيس، وهو ما عزز استقرار الخدمات للمجتمع الأردني أولًا.
خاتمة
المنح الخارجية ليست موارد عابرة، بل رافعة تنموية أعادت تشكيل جزء مهم من البنية التحتية الأردنية في المياه، الطاقة، النقل، الصحة والتعليم. الأرقام واضحة: مئات الملايين ضُخت في مشاريع استراتيجية انعكست مباشرة على حياة المواطنين. وأمام الطروحات السطحية التي تقلل من جدواها، يبقى الرد الأمثل عبر لغة الأرقام والشواهد الميدانية، لإظهار أن هذه الموارد الخارجية، إذا أُحسن توظيفها، تتحول إلى أداة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وترسيخ صورة رشيدة لإدارة الدولة.