في يوم امتلأت فيه ساحات الجامعة بالضحكات، بالورود، بالأحضان الدافئة، كان هناك شاب يمشي وحيدًا.. لا أحد ينتظره، لا أم تمد له ذراعيها، ولا أب يصفق له من بعيد. كان يحمل شهادته بيد، ودمعة صامتة باليد الأخرى.
هو "مجهول الأبوين".. أو كما يسميه المجتمع ببرود "لقيط". كلمة جارحة كالسيف، تختصر وجع العمر كله.. تختصر ليالي البكاء التي لا يسمعها أحد، وأيام الوحدة التي لا تنتهي.
عاش حياته بلا انتماء، بلا جذر، بلا "عائلة".
يقول في شهادته الموجعة:
"كنت أنام في مصلى الجامعة بعد محاضرات الصبح، لأن الليل كله كان شغل.. كنت أشتغل لأدفع أقساطي، ما طلعلي لا قرض ولا منحة، مع إني كنت أشوف حالي أحق واحد فيها.
بس صبرت، ودرست، وتعبت، وأخيرًا تخرجت."
لكن لحظة التخرج التي انتظرها العمر كله، تحولت إلى جرح لا يندمل.
زملاؤه كانوا يتسابقون إلى أحضان أمهاتهم، يقبلون أيدي آبائهم، يتلقون الهدايا والزهور.. أما هو، فقد وقف على الهامش، يراقب المشهد بصمت قاتل. لم يكن لديه أحد يرفع عينيه نحوه بفخر.
عاد إلى بيته وحيدًا، بلا وردة، بلا قبلة على جبينه. وفي طريقه، اقتطف وردة صغيرة من شجرة الجيران، أهداها لنفسه، ووضع شهادته أمامه على الطاولة.
صلّى ركعتين شكرًا لله، ثم نام.. يقول: "كانت أحلى نومة في حياتي."
هذا الشاب اليوم صيدلي. انتصر على حياةٍ كانت تريد سحقه، وبات نموذجًا للفخر والإرادة. لكنه ما زال يكتب بوجع طفلٍ لم يسمع كلمة "مبارك" من أم أو أب:
"مبارك إلي.. نفسي أسمعها منكم، نفسي أحس ولو للحظة إني ابن لحد."