لقد عرفتُ الانضباط العسكري منذ أن كنتُ شاباً يافعاً في صفوف القوات المسلحة، وتعلمت أن خدمة العلم ليست مجرد التزام زمني يؤديه الشاب، بل هي مدرسة وطنية متكاملة تُصقل فيها الشخصية، وتُبنى فيها القيم، ويُصان من خلالها الولاء والانتماء للوطن والعرش الهاشمي.
اليوم، ومع إعادة خدمة العلم، أستعيد في ذاكرتي تلك اللحظات الأولى التي شكّلت نقطة تحول في حياتي، وأدرك أكثر من أي وقت مضى أن هذا القرار يُعيد إلى شبابنا فرصة لا تُقدّر بثمن لتلقي جرعات مكثفة من الوطنية، والانضباط، والعمل الجماعي، وتحمل المسؤولية.
لقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، منذ سنوات طويلة صاحب رؤية ثاقبة في تمكين الشباب، وصياغة مستقبلهم بما يليق بتاريخ الأردن وكرامة أبنائه، واليوم تتجسد هذه الرؤية في إعادة خدمة العلم كرافعة أساسية لإعداد جيل واعٍ قادر على مواجهة تحديات العصر.
كما أن سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني يمثّل نموذجاً عملياً للشاب الأردني القادر على الجمع بين العلم الحديث وروح الانتماء العسكري، وجوده إلى جانب الشباب في مختلف الميادين يعطي رسالة صادقة بأن خدمة العلم ليست واجباً وحسب، بل هي شرف ومسؤولية مشتركة.
لقد لمستُ من خلال خبرتي الطويلة في ميادين العمليات الخاصة أن الانضباط الذي يتعلمه الشاب في الخدمة العسكرية يظل رفيقاً له مدى الحياة، في دراسته، وعمله، وحياته الأسرية.
ومن هنا فإن إعادة خدمة العلم هي استثمار استراتيجي في الإنسان الأردني قبل أن تكون قراراً تنظيمياً.
ولأن الشباب هم عماد الوطن، فإن هذه التجربة ستمنحهم الأدوات الحقيقية لبناء مستقبلهم، بعيداً عن السلبية والاتكالية، وقريباً من العمل والإبداع والاعتماد على الذات. إنها فرصة ليكون كل شاب مشروع قائد في موقعه، ومشروع مواطن مسؤول في مجتمعه.
كما أن المجتمع الأردني بأسره سيقطف ثمار إعادة خدمة العلم، فهي ليست مسؤولية فردية، وإنما مشروع وطني يعيد ربط الأجيال بقيم الفداء والتضحية، ويجعل من الانتماء للوطن ممارسة يومية لا مجرد شعارات تُرفع في المناسبات.
ختاماً، فإن إعادة خدمة العلم قرار تاريخي يعيد للأردنيين ثقتهم بقوة مجتمعهم وتماسك مؤسساتهم. وإنني كعميد متقاعد من القوات المسلحة – العمليات الخاصة، أفتخر أن أكتب اليوم هذه الكلمات مؤكداً أن خدمة العلم كانت وستبقى مصنع الرجال، ودرع الوطن، وعنوان الوفاء لجلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين.