إن قرار إعادة خدمة العلم في الأردن لم يكن مجرد إعلان روتيني، بل حدث وطني أعاد رسم صورة الأردن أمام شعبه وأمام العالم.
لقد اتحفنا سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله بهذا الخبر الذي غمر الأردنيين فرحًا وفخرًا، فكان بمثابة رسالة جديدة في زمن يموج بالتحديات.
هذه الخطوة تحمل في عمقها معنى الانبعاث والنهوض الوطني، فهي تعيد بناء الجيل على أساس الانضباط والالتزام والمعرفة، وتمنحه فرصة لصقل شخصيته وتوسيع آفاقه العلمية والفكرية والمهنية.
فخدمة العلم اليوم ليست فقط تدريبات عسكرية، بل هي مصنع رجال قادرين على حماية الوطن بسلاحهم وعقولهم معًا، شباب يعرفون أن المعركة في عصرنا لا تُحسم بالبندقية وحدها وإنما بالعلم، بالابتكار، وبالفكر الواعي.
وهكذا، يعود الانتماء ليصبح ممارسة يومية، لا شعارًا عابرًا، ويغدو الوطن مدرسة تصنع أجيالًا قادرة على أن تكون ذراع البناء والدفاع في آن واحد.
وفي الوقت نفسه، يوجه الأردن من خلال هذا القرار رسالة حازمة إلى العدو الصهيوني، أن الأردنيين لم ولن يكونوا يومًا واقفين مكتوفي الأيدي امام العنجهيه والصلف الصهيوني.
فمن يعلن اليوم حلم "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل عليه أن يدرك أن الأردن ليس أرضًا جرداء، بل حصنًا منيعًا بأبنائه، وأن شعبه سيبقى متأهبًا للملحمة الكبرى إذا فرضت، ليس ليحمي حدوده فقط، بل ليكون حاضرًا على أرض فلسطين،بهمه وباس واراده.
فالأردنيون أبناء تاريخ طويل من الفداء، وهم يعرفون أن الحرية لا توهب وإنما تُنتزع.
هذا القرار التاريخي قد لا يكون مجرد شأنًا داخليًا فحسب، بل قد يتحول إلى نموذج ملهم للدول العربية الأخرى وشعوبها الذين يرون في شباب النشامى بارادتهم وعزيمتهم بانهم القدوه والمثل.
هذه الشعوب وهذه الدول باتت ترى نفسها اليوم مهددة في ظل عودة قادة الكيان إلى إعلان أوهامهم التوسعية جهارًا نهارًا.
وإذا كان الأردن قد اتخذ هذه الخطوة في وقت دقيق، فإنها قد تدفع دولًا مثل مصر وسوريا وغيرها لإعادة التفكير في برامج تعبئة شبابها في وقت قريب ليس ببعيد، ضمن مفهوم الأمن القومي العربي المشترك، حيث يصبح الشباب خط الدفاع الأول عن الأمة كلها.
لقد عبّر الأردنيون من الشمال إلى الجنوب عن استعدادهم وتأييدهم، وأكدوا أن خدمة العلم تعني خدمة الوطن بكل ما للكلمة من معنى.
إنها خطوة أعادت الثقة بين الدولة وشبابها، وأكدت أن الأردن، رغم التحديات الاقتصادية والضغوط الإقليمية، لا يزال يملك الإرادة ليبني أجيالًا مستعدة للتضحية في سبيل الله والأرض والراية والهوية.
إنها لحظة فارقة في التاريخ الأردني، تعلن أن هذا البلد ما زال وفيًا لرسالته، وأن شبابه هم كنزه الحقيقي وسر بقائه.
والأردنيون اليوم، وقد التفتوا حول قرار خدمة العلم، يثبتون أنهم خط الدفاع عن وطنهم وأمتهم، وأنهم حاضرون لليوم الذي سيكتبون فيه فصول النصر بأيديهم وعقولهم وسواعدهم.